السينما النسوية

الصفحة الاخيرة 2020/05/20
...

 علي حمود الحسن
 
يبدو مصطلح السينما النسوية اشكاليا، فهو ينفتح على أكثر من سؤال ودلالة؛ منها على سبيل المثال لا الحصر: هل هي تلك الأفلام التي تخرجها وتصورها وتنتجها النساء؟، ام تلك الأفلام المتمردة على الصورة النمطية للمرأة بمفهومية هوليوود، والتي ترى فيها محض جسد للفرجة والتحديق، و"انعكاس لخيالات الرجل بعيدا عن صورتها الواقعية “؟،
مفهوم " السينما النسوية" من وجهة نظري المتواضعة، هي تلك الأفلام التي ينتجها صناع سينما رجال او نساء، وتتناول أوضاع المرأة الاجتماعية والنفسية والسياسية، وتنظر لها وفق منظور واقعي، وهذا لا يعني تجاوزا على تنظيرات نساء ثائرات وجدن في السينما التقليدية، محض نظرة ذكورية محدقة " تعمل على تصوير الشخصيات النسائية كأشياء جنسية بحتة، هدفها امتاع واشباع خيالات المشاهد الذكر"، لذا فالسينما النسوية من وجهة نظرهن يجب" ان تتفكك بناء السينما التقليدية ويعادان النظر فيوضع الكاميرا"، وهذه الثورة  بدأت منذ ستينيات القرن الماضي، أيام الكفاح ضد التميز العنصري وتنظيرات سيمون دي بوفوار في كتابها الشهير " الجنس الاخر" الذي قالت فيه " ان المرأة لا تولد امرأة وانما تصبح امرأة بفضل المجتمع"  
هذه الأفكار التي احتدمت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، قطفت ثمارها في السنوات الخمس الأخيرة، اذ تعالت الصيحات بمشاركات نسوية أكبر، وإلغاء الكثير من مظاهر التميز على أساس العرق واللون والجنس، لكن الطريق مازال طويلا وشاقا امام الثائرات على هوليوود وصورتها النمطية للمرأة، التي هي ليست قياسا، فثمة أفلاما انصفت نصف الإنسانية الحلو وقدمتها بكامل إنسانيتها، التي لا تختلف كثيرا عن الرجل، منها على سبيل المثال لا الحصر، فيلم " الشخصيات المخفية" الذي أنتج في العام 2016،   واخراج الأميركي ثيودور ملفي عن قصة حقيقية لنساء عالمات( كاترين جونسون، وماري جاكسون، ودورثي فوغر ) عملن في وكالة " ناسا" أوائل الستينيات أيام التميز العنصري الحاد والحرب الباردة والسباق الفضائي بين اميركا والاتحاد السوفياتي للفوز بسبق انزال أول انسان على سطح القمر، وكانت هذه المهمة تحتاج الى عقول رياضية خارقة، فنحجن في عملهن واستطعن تحديد مسار الصاروخ الفضائي الأول وموقع هبوط مركبة مأهولة بدقة متناهية، فضلا عن تحديد دقيق لهبوط ارمسترونغ على القمر، وسط اعجاب علماء ناسا والشعب الأميركي، لكن الامر ليس بهذه الرومانسية، اذ تعرضت العالمات السود الى الاضطهاد والتميز العنصري من قبل موظفي الوكالة، فالواحدة منهن تحتاج الى (30 -40) دقيقة لكي تذهب الى دورة مياه خاصة بالسود من اجل قضاء حاجتها، ولا يحق للعالمة السمراء  ان تشرب من ابرق القهوة الخاص بالبيض، ومع ذلك نجحن  في اقناع مدير “ناسا"  (كيفن كوستنر) بعدالة قضيتهن فأنهى  كل مظاهر التميز العنصري في
 وكالته . 
قدم المخرج وفريق عمله، لاسيما الممثلون حكاية سلسلة وشيقة، على الرغم من كون الموضوع علميا، اذ أعتمد  احداثا نصفها حقيقي والنصف الاخر متخيل، وبعد نجاح الفيلم وتسليطه الضوء على سير حياة نساء عظيمات، بادر مدير وكالة " ناسا" الى إطلاق اسم " الشخصيات المخفية" على الشارع الذي تقع عليه بناية الوكالة، تكريما وعرفانا لعلمهن وشجاعتهن.