الخروج من جلباب الجيل الأول

آراء 2020/05/20
...

محمد جبير
 
هل يمكن للحكومة السابعة الخروج من عباءة النظام السياسي أو جلباب الجليل الاول؟ بمعنى هل تمتلك الحرية والاستقلالية في اتّخاذ القرار بعيداً عن هيمنة الأحزاب الرئيسة؟ تلك الأحزاب التي تمسك بدفّة النظام وتسعى جاهدة للحفاظ على بقائه على الرغم من الحراك الشعبي الرافض له.
وهو الأمر الذي يضع الحكومة الحالية في الإحراج السياسي وتوتر المواقف الداخلية والخارجية لاسيّما انّ هناك بعض الاحزاب والفصائل المسلحة قبلت بالحكومة الجديدة على مضض ووصفتها بالاختيار الاضطراري، وذلك في ظلّ الظروف المحلّية والإقليمية والدولية الضاغطة لتشكيل حكومة عراقية بكامل الصلاحيات. فالنظام السياسي الذي بني منذ نيسان 2003 وحتى يومنا هذا على وفق ثوابت سياسية تحفظ للأحزاب والمكونات السياسية حقوقها وتوازن تلك الحقوق والمكتسبات وفق "الثقل الاجتماعي"أو "الاستحقاق الانتخابي"، وانتجت مفاهيم "المحاصصة، المشاركة، التشارك، التوازن المكوناتي والتوازن السياسي"، وغيرها من التوصيفات التي أنتجت في الأعوام السابقة وسوقت إلى الجمهور السياسي عن طريق وسائل الإعلام المختلفة لتصبح جزءا من ثقافة المناقشات السياسية في كل مرحلة من المراحل الانتخابية، ولتصبح هذه التفاهمات أو التوافقات أو الاتفاقات أو الأعراف السياسية كأنها الأسس التي تقوم عليها العملية السياسية خارج إطار الدستور وإنما أصبحت هذه التوافقات هي دستور العملية السياسية في الوقت الحاضر، وأقرب مثال على ذلك هو التشكيلة الوزارية الجديدة التي سارت على ذات النهج السابق في تقسيم الوزارات على وفق الجدول "12، 6، 3، 1" .
إلّا أنّ إعلان تشكيل الحكومة الجديدة وفي ظلّ ظروف سياسية واقتصادية وصحية صعبة، وضعت جميع الأطراف في صف واحد هو مواجهة هذه التحديات الصعبة للخروج بالبلاد إلى برّ الأمان، وكان من أول الداعمين لهذه الحكومة هو الحراك الشعبي الذي ينتظر من الحكومة إجراءات القصاص من قتلة الشباب المنتفض وانصاف اسر الشهداء، والمضي في خطوات إصلاحية جادّة لإنقاذ البلاد من الأزمة الاقتصادية في تفعيل دور القطاع الصناعي والزراعي والتجاري والسياحي والسيطرة على المنافذ الحدودية، وتلك من الأمور المهمة التي تعزز إيرادات البلد، ويبقى موضوع السيادة من الملفات الشائكة التي تواجه الحكومة والتي تسعى إلى حسمها بالطرق الدبلوماسية والسياسية، إذ إنّ هذا الملف لم يحسم منذ الإعلان عن انتقال السيادة للعراقيين في الأول من حزيران من العام 2004 بعد أن تسلم الدكتور اياد علاوي السلطة من الحاكم المدني الأميركي بول 
برايمر. هذا الملف مازال شائكا ومعقدا ومصدر إثارة المشاكل في الداخل والخارج حيث مازالت قوى المقاومة أو الممانعة أو الرافضة للوجود الأجنبي تصرّ على مواقفها بإخراج هذه القوات من البلاد على الرغم من وجود التهديدات والتحديات الأمنية الخطيرة من عصابات داعش التي تهاجم في داخل الأراضي العراقية، وترى تلك القوى أن دعمها للحكومة مشروط بموقفها من هذه القوات في البقاء أو الخروج لاسيّما أن هناك قراراً برلمانياً في إخراج هذه القوات، إلا أنه في المقابل هناك أطراف مشاركة وفاعلة في العملية السياسية ترى ضرورة بقاء هذه القوات لاسيّما الأميركية في دعم جهود الحكومة لمواجهة خطر الإرهاب والحد من تغلغل وتدخل قوى اقليمية في الواقع السياسي
 العراقي.
أمام كلّ ما تقدم إذا بقيت الحكومة في جلباب النظام السياسي ولم تخرج منه إلى مناخ الحرية والاستقلالية في القرار السياسي الوطني والاتّجاه لبناء دولة المؤسسات المدنية لا دولة الأحزاب والمكونات، فإنها لن تكون أفضل مما سبق من الحكومات، وإن من يقول إن هذه الحكومة محددة بمهمات ظرفية هي إجراء انتخابات مبكرة وتشكيل مفوضية انتخابات مستقلة وإقرار قانون انتخابات جديد، فإنّ هذه الأمور هي تحصيل حاصل من أولويات الحكومة على المستوى الداخلي إلّا ان الأهم ما سيكون على المستوى الاقليمي والدولي من بناء ومد جسور الثقة واقامة علاقات متوازنة تحفظ مصالح البلاد.