المعلومات حقٌ أم جريمة؟

آراء 2020/05/22
...

د.محمد فلحي
 
جدد مجلس الوزراء في جلسته الثانية التأكيد على حرية تبادل المعلومات وحق الحصول عليها من خلال الإسراع بتشريع قانون حق الحصول على المعلومة، ولا بدَّ أنْ نتذكر إزاء هذا التأكيد أهمية إقرار (مشروع قانون المعلومات) الذي كان بعنوان (قانون جرائم المعلوماتيَّة) وهو لا يزال مطروحاً في رفوف مجلس النواب، منذ ثلاث دورات انتخابيَّة حتى اليوم!
ترافق تشكيل الحكومة الجديدة مع موجة من الأنباء المتضاربة والبيانات الملفقة والمعلومات الكاذبة التي تكاد تكون أقرب إلى الشائعات، في حملة تشكيك لا تبدو بريئة، وخلط متعمد للأوراق، في ظل فضاء معلوماتي وإعلامي مفتوح بلا حدود، ولم تجد الجهات الرسمية المعنية وسيلة للتصدي لتلك الحملة سوى بيانات النفي، ما دام الفاعل مجهولاً، والقانون غائباً! يخلو الدستور العراقي من أي نص مباشر على (حرية المعلومات) وهي مفارقة عجيبة في عصر ثورة المعلومات، لكنه تناول حرية التعبير عن الرأي والنشر في المادة (38)، كما ضمن في المادة (40) حرية الاتصالات والمراسلات البريدية والبرقية والهاتفية والالكترونية وغيرها، وعدّها مكفولةٌ، ولا يجوز مراقبتها أو التنصت عليها، أو الكشف عنها، إلا لضرورةٍ قانونيةٍ وأمنية، وبقرارٍ قضائي.
لا شك أنَّ تنظيم المعلومات يتطلب تشريع قانون متخصص، يغطي كل مجالات المعلومات وأنواعها وتقنياتها واستخداماتها وجرائمها، ويبدو أنَّ مقترح قانون المعلومات الذي واجه جدلاً واسعاً، ومعوقات كثيرة، وتعديلات مستمرة، طوال السنوات الماضية، يهدف إلى معالجة الثغرة القانونية التي يعاني منها المجتمع العراقي حالياً نتيجة ما يمكن أنْ يوصف بـ(فوضى المعلومات)، فهناك من ينظر إلى المعلومات على أنها (جرائم معلوماتية) فقط، وهناك من يطالب بحرية مطلقة للمعلومات من دون قيود، وفي الحقيقة إنَّ كلا النظرتين المتناقضتين لا تعبران بعمق عن الحاجة الملحة إلى حرية المعلومات وتنظيمها وإدارتها بطريقة سليمة لتكون من أهم الموارد والثروات والأدوات في المجتمع المعاصر!
المعلومات حق إنساني وليست جريمة، كما يصفها بعضهم، لكنها قد تصبح في عداد الجرائم إذا وظفت في طريق الشر، مثل أي سلاح ذي حدّين، وقد واجهت وسائل الإعلام والمعلومات، عبر تاريخ البشرية، منذ اختراع الطباعة والهاتف والإذاعة والتلفزيون وأخيراً شبكة الإنترنت، تلك النظرة غير العادلة التي تلصق بها صفة الشر، لكنها تجاهلت أنَّ هذه الصفة قد تعود إلى المستخدم وليس الوسيلة، ومن ثم فإنَّ المعلومات تعد أثمن ثروة ابتكرها عقل الإنسان، ولا تزال آفاق ثورة المعلومات مفتوحة نحو المستقبل فوق خيال الكثيرين!
تصدينا قبل أشهر لتوضيح عيوب المشروع السابق لقانون (جرائم المعلوماتية) وطالبنا عبر مقالات وحوارات تلفزيونية إلى مراجعة نصوصه، وتعديلها وفق رؤية دقيقة لأهمية المعلومات ودورها في الحياة، ونعيد اليوم الدعوة إلى حوار مهني واسع حول المشروع، بين السياسيين والأكاديميين والإعلاميين لأنَّ مواد هذا القانون تتعلق بحاضر المجتمع ومستقبله، وعلينا أنْ نحسن التعامل مع المعلومات لكي لا نكون خارج حضارات عصر المعلومات!