في العام الماضي وقبل شهر من بداية التظاهرات في الاول من تشرين الاول كتبت أربع مقالات دعوت فيها الحكومة العراقية السابقة إلى الإلتفات إلى ملف إعمار الجنوب ، ليس لاني أميز بين محافظات العراق التي أكن لها جميعا مشاعر الحب والتقدير ، وإنما لاني وجدت ان ملف الإعمار في هذه المحافظات - أي محافظات الجنوب - هو الأسوأ من بين الملفات الأخرى ، ما يستدعي التساؤل عن أسباب ذلك .
وقد طلبت في تلك المقالات إجراء التحقيق في أسباب تلكؤ مئات المشاريع الخدمية والإعمارية مما كان بالإمكان أن تغير من أحوال تلك المحافظات وتقلب واقعها إلى الأفضل ، إذ حذرت من أن الناس لن تسكت إذا ما بقي الحال على ما هو عليه ، ثم حصل ما حصل وهو خروج الناس للمطالبة بحقوقها ، وكنا والحمد لله من المنادين برفع الصوت عاليا للمطالبة بتلك الحقوق وسنواصل ذلك ما وجدنا ضرورة لذلك حتى تتحقق تلك المطالب الحقة .
وها أنا أعود لتذكير الحكومة الجديدة بهذا الملف المهم ، فتجاهل معاناة الناس بسبب سوء الخدمات ورداءة البنى التحتية وبسبب قلة مشاريع الإعمار مع وجود كم هائل من المشاريع الوهمية وغير المنجزة سيعني العودة إلى المسار نفسه الذي سارت عليه الحكومة السابقة وسيعني العودة إلى الدوامة نفسها التي كان يدور فيها الواقع العراقي أي دوامة المطالبة من قبل الناس والتجاهل والنكران من قبل الحكومات وسيعني عودة التظاهرات مرة أخرى .
إننا ندرك جيدا الظروف الصعبة التي تحيط بهذه الحكومة والأعباء الكبيرة التي تتنكبها، فضلا عما عهد إليها من مهام جسيمة ، ولكن مطالب الناس الحقة لها أهمية أيضا ، حتى يستعيد الناس ثقتهم بالحكومة بعد أن ملوا الوعود التي كان يطلقها المسؤولون في مناسبات مختلفة والتي لم يتم تنفيذ أغلبها ، حتى بات الشعور العام لدى غالبية الناس ان الوعود في العراق باتت تطلق ولا تنفذ وان هناك تجاهلاً تاماً لما يقدمه الناس من مطالب بما في ذلك المطالب التي جرى تقديمها من خلال التظاهرات أو عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي .
وأهم هذه المطالب التي يجب التركيز عليها من قبل الحكومة وإيلاؤها ما تستحق من الإهتمام : إجراء التحقيق في مئات أو آلاف المشاريع الوهمية والمتلكئة للوقوف على أسباب تلكئها أو عدم تنفيذها ، ومحاسبة الجهات المقصرة إن كان هناك تقصير ، و الإهتمام بملف الخدمات والبنى التحتية لاسيما الخدمات الصحية والتعليمية والبلدية ، ومن ذلك تطوير منظومة الطاقة الكهربائية ، فضلا عن تأهيل عشرات المعامل والمصانع التي جرى إهمالها في السنوات السابقة على الرغم من أهميتها للاقتصاد العراقي وحل مشكلة السكن ومشكلة العاطلين .
وفي الختام لا يسعني إلا أن اتمنى لهذه الحكومة التوفيق في عملها وأن تحقق ما يأمله الناس منها ، فهذا هو المنجز الحقيقي الذي يحق لها أن تفخر فيه إن تحقق.