سلام حربة
الديمقراطية مفهوم زئبقي يختلف تفسيره من بلد لآخر، قد يتفق المفسرون بأنها حكم الشعب ولكن اي نوع من الحكم سيسلط على رقاب الشعوب. الديمقراطية في العالم الغربي تختلف عن الديمقراطية في الشرق وفي العالم الاسلامي ومن يحدد الديمقراطية جملة العوامل التاريخية والوجودية والاقتصادية والاجتماعية والطبيعة البنيوية للمجتمعات وتنوع الاقليات والديانات ولا تكون بمنأى عن ما يحيطها من بلدان مجاورة وما يربط بينها من تاريخ ومصالح سياسية و علاقات دبلوماسية منفتحة كانت أم حروباً وأزمات. في الغرب الرأسمالي من يحكم هناك هي الشركات الاحتكارية ورأس المال والمؤسسات الدستورية والقانونية التي وجدت لخدمة فائض القيمة واللوبيات السياسية
والصهيونية.
اما في الشرق وعالمنا الاسلامي، فان الديمقراطية صورية وهي مصنعة وجاهزة في معامل الغرب ويتم إلباسها عنوة على جسد هذه المجتمعات كالذي حصل في العراق ومصر وتونس وليبيا ومحاولة فرضها على كل البلدان الاسلامية الاخرى سواء بالقوة كما يحصل ومنذ سنين في سوريا واليمن او محاصرة ايران من اجل اركاعها وتمزيقها وفرض نظام سياسي جديد عليها او بالطريق السلمي في البلدان الباقية السائرة في ركب العالم الغربي التي تأتمر بأمره. اميركا والعالم الرأسمالي وضعا خطوطا حمر امام بلدان الشرق الاسلامية يجب عليها ان لا تتجاوزها وان تبقى أبد الآبدين مرتبطة بعجلتها الاستعمارية ومشاريعها الستراتيجية، لقد قامت بتفكيك البنى الثقافية والروحية الفاعلة في صيرورة هذه المجتمعات وجعلت من الدين الاسلامي، هوية هذه المجتمعات الحضارية، أداة لتخريبها بتسليط تيارات وتنظيمات قامت هي بخلقها كالقاعدة وداعش وغيرهما من اجل تفكيك الدين من الداخل وتأويل نصوصه وفق رؤى هؤلاء الشواذ بما لا ينسجم مع حركة العصر وثورته العلمية والتكنولوجية وبدل ان يكون الدين داعما اخلاقيا وروحيا للمجتمعات اصبح عصا مميتة في دولاب حركتها وتطورها. الديمقراطية لا تعيش بالشعارات وبالكلام الفارغ الذي لا اساس له من الواقع..الديمقراطية كائن حي تحتاج الى مؤسسات علمية وقانونية ومنظمات مجتمع مدني واحزاب وترتبط بالنظام السياسي ومؤسساته الاقتصادية والاجتماعية، وتتطور من خلالها وتسهم هي في ترصين برامجها السياسية وانظمتها الداخلية، لا ديمقراطية حقة دون صناعة متطورة ونظام زراعي كفيل بتوفير الغذاء للمجتمع، لا ديمقراطية دون حرية وعدالة اجتماعية وقانون عادل يخضع له الجميع وتوزيع عادل للثروة لكل ابناء المجتمع. لقد أمات الغرب روح الديمقراطية من خلال فرض انظمة سياسية طائفية وعرقية وقيادات لهذه الانظمة لا تفقه في علم السياسة شيئا، همها اللصوصية وتنفيذ الاجندات المرسومة لها وتعمل على ارجاع هذه البلدان الى عصور التخلف والجهل، لقد أُسقطت مفردة الصناعة من قاموس هذه البلدان وبوّرت الاراضي الزراعية حتى ما تلبس وما تأكل يأتيها من البلدان الاخرى، تراجع التعليم وانتشرت الامية وشاعت الاوهام والخرافات وكشرت العصبية القبلية عن انيابها بديلا عن القانون والدولة واصبح اقتصاد البلدان ريعيا وحيد الجانب لا يكفل الحياة الكريمة للمواطنين وتردت الخدمات وانتشرت البطالة وشاعت الجريمة والارهاب وكل فنون العنف وظهرت الى الوجود امبراطوريات لاحزاب اسلامية وقومية شوفينية لا تؤمن بالديمقراطية وتعتبرها بدعة كافرة وتتنافى مع حكم الله وشرعه لكنها تعاملت معها كسلّم يوصلها الى السلطة والتربع على مقدرات الشعوب مستغلة التجهيل وارهاب الناس، كونهم وكلاء الله في الارض واعادوا الى الوجود كل تأريخ الدجل والشعوذة التي يزخر بها ماضي هذه المجتمعات وخاصة في القرون المظلمة وتحكمت بحاضر ومستقبل المواطنين وبدأت تسومهم القتل والترويع والجوع والاذلال وناصبت العداء للقوى المدنية التي ناضلت من اجل بناء مجتمع ديمقراطي حقيقي ولاحقتها بالموت والاختطاف والتغييب في السجون. أليست هذه دكتاتوريات جديدة أعتى من الدكتاتوريات القديمة ولكن باطار ديمقراطي
مهلهل..؟