على ما يبدو إنَّ سنة 2020 لن تنتهي قبل أن يشهد العالم عودة الحرب الباردة في نسختها الثانية وهذه المرة ليس بين موسكو وواشنطن، بل بين بكين الصاعدة بقوة وواشنطن التي ترى في التنين الصيني ما يهدد مصالحها الاقتصادية أو ما يمكن تسميته مجالاتها الحيوية في العالم في ظل تصاعد الاقتصاد الصيني من جهة، ومن جهة تضرر أوروبا من سياسات أميركا في عهد ترامب عبر فرض سياسة الحظر على دول عدة في العالم منها إيران وروسيا مضافا لذلك حروبه الإعلامية مع وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي .
جائحة كورونا واتهامات أميركا للصين بأنها من أسهمت بها، مضافا لذلك أزمة هونغ كونغ ومحاولات التدخل الأميركي قد تكون هذه وغيرها بوابات الدخول لمرحلة الحرب الباردة وإذا ما نظرنا لتصريح وزير خارجية الصين وانغ يي " أن العالم أصبح اليوم على وشك حرب باردة جديدة، مشيرا إلى ضرورة أن تجد بكين وواشنطن طريقة للتعايش السلمي".وهذا بحد ذاته يدلل على إن هنالك ملامح كبيرة على إن ثمة ثنائية ستقود العالم في المرحلة القادمة خاصة وإن التصريحات الصينية تنظر للعالم على أنه سيكون مختلفا عما كان عليه قبل جائحة كورونا وبالنتيجة عالم ما بعدها يختلف من وجهة نظر الصين كما إنه سيكون كذلك بالنسبة لأميركا وأوروبا والعالم بأسره.
قد يسأل البعض ما هي الملفات المختلف عليها بين واشنطن وبكين؟ الملف الأول هو ملف كورونا الذي توجه الإدارة الأميركية الاتهام بانتشاره للصين لدرجة أطلق عليه تسمية (فيروس الصين)، الملف الثاني فرض الإدارة الأميركية ضرائب على المنتجات الصينية الواردة اليها وهو ما يمثل حربا تجارية،مضافا لذلك قضية شركة هواوي واتهامها بالتجسس وفرض عقوبات شديدة عليها، الملف الثالث والحديث جدا ملف هونغ كونغ الذي شغل الرأي العام العالمي قبيل جائحة كورونا عبر احتجاجات كبيرة اتهمت الصين المخابرات الأميركية بالوقوف وراءها ودعمها خاصة وإنها جاءت بعد مرحلة من الحرب الاقتصادية بين واشنطن وبكين،واستثمرت واشنطن هذه الاحتجاجات من أجل إعادة قضية هونغ كونغ من وأقدمت واشنطن على الغاء الوضع المالي العالمي لها مما يعني خسارة الصين للخصوصية الممنوحة لهونغ كونغ و ستفقد مركزا تجاريا وماليا مهما جدا للاقتصاد الصيني الذي لا يتحسس من الاستثمارات الأجنبية مهما كانت هويتها، وهذا الملف بحد ذاته بدأت تعزف على وتره واشنطن بشكل مكثف من خلال تصريح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو،إن الصين"نقضت عهودها" بما يتعلق بمنح الحكم الذاتي لهونغ كونغ، وأن واشنطن ستلغي الإجراءات التفضيلية التي كانت ممنوحة لهونغ كونغ بسبب وضعها الخاص، معللا ذلك بالقول إن الحزب الشيوعي الصيني دخل في اتفاق مع المملكة المتحدة يسمح لهونغ كونغ بالحصول على حكم ذاتي لمدة 50 عاماً،وقد نكثوا وعودهم في منتصف الطريق، تلك الوعود التي قطعتها الصين على نفسها أمام العالم.
بريطانيا الحليف الأكبر لأميركا دخلت على الخط حين أبدت استعدادها لتمديد التأشيرات، وفتح المجال لمنح الجنسية لقرابة ثلاثة ملايين مقيم في هونغ كونغ ردا على سعي الصين لفرض تشريع للأمن القومي في المستعمرة البريطانية السابقة، وهو ما يشكل دعما لأميركا، التي وجدت معها أستراليا وكندا والاتحاد
الأوروبي.
هذه التصريحات ترجمت لواقع، حيث بدأت أميركا ببيع ممتلكاتها في الأماكن المرموقة في هونغ كونغ، ما يشكل رسالة كبيرة لبقية المستثمرين الأجانب من جانب، ومن جانب آخر للحكومة الصينية
وهنالك ملفات أخرى تبدو أقل أهمية مثل قضية تايوان وأقلية الإيغور وملف بحر الصين الجنوبي وهي قضايا ثانوية بالقياس للملفات الأولى ولكنها في مجملها تمثل عوامل رئيسة من شأنها أن تديم زخم الحرب
الباردة.
الحرب الباردة لم تعد مخفية، بل وصلت إلى مجلس الأمن الدولي الذي تسعى من خلاله واشنطن لفرض عقوبات اقتصادية على بكين وهذا ما جعل المتحدث باسم وزارة الخارجية الصيني يقول في مؤتمر صحفي "مجلس الأمن ليس أداة يمكن للولايات المتحدة أن تتلاعب به كما تشاء،ولن تسمح الصين ودول أخرى تتمسك بالعدالة على المستوى الدولي، بأن تأخذ الولايات المتحدة مجلس الأمن رهينة لغاياتها
الخاصة".
في النهاية نجد اننا ربما دخلنا مرحلة الحرب الباردة الثانية من بوابة كورونا ومن شاء يدخل من بوابة هونغ فكل الطرق تؤدي إلى ذلك.