حكاية الصديق!

الصفحة الاخيرة 2020/06/02
...

حسن العاني 
 
ويحكى يا ولدي أنّ الوالي غضب مرة على رجل أشد الغضب، والولاة لا يحتاجون الى سبب للغضب، فقرر ان ينزل فيه عقوبة لا عهد للولاية بها، ولذلك جلس الى مجلسه ودعا اعوانه ومقربيه وذوي المشورة منهم، ثم افضى اليهم بقصده ومراده وقد، تقنن المقربون وابتدعوا وابتكروا من انواع العقوبات ما اذهل الوالي نفسه.. وهكذا قر قراره على حفر حفرة يدفن فيها الرجل المعاقب حتى وسطه ثم امر الناس ان يرجموه بما احبوا وشاؤوا!!
دخل الرجل حفرته مشدود اليدين وراح الناس يمرون من امامه واحداً واحداً، هذا يضربه بالعصا وذاك يلطمه على وجهه وهذا يرميه بالحجارة وذاك يصفعه على جسده، وهذا يعطف عليه فلا يؤذيه في الضرب وذاك يلح عليه ضرباً حتى يؤلمه اكراماً لعين الوالي وتقرباً منه، والرجل في هذا وعلى هذا كله صابر لا يبدي حركة ولا تصدر عنه آهة..
استمرت الحال على ما هي عليه والوالي يتلذذ بالمشهد والرجل يحتمل البلوى مستعيناً بما أوتي من جلد واحتمال عازماً على أنْ يظهر بمظهر الرجال ولو كانت حياته هي الثمن.. وبينما هم كذلك يا ولدي فاذا بصديق الرجل المعاقب وأقرب مقربيه وقد وصل الدور إليه، وصار لزاماً عليه أنْ ينفذ أمر الوالي ويرجم صديقه.. 
توقف الخلق مبهوتين وتقطعت الأنفاس وخفقت القلوب وشخصت الأبصار، وكل واحد منهم يسأل ماذا سيفعل الصديق وكيف سيضربه وماذا اختار لرجمه وماذا سيقول الرجل المعاقب وكيف وبأية طريقة يعاتب صديقه؟ 
تقدم الصديق هادئاً فرحاً مطمئناً وهو يحمل بين أصابعه زهرة قرنفل بيضاء، فلما صار وجهاً لوجه من صاحبه رمى الزهرة على جسده بكل ما قدر له أنْ يرميها خفة وليناً ورِقة حتى لكأنه يقدمها هديَّة إليه... 
في تلك اللحظة فقط بكى الرجل المعاقب وهو الذي لم يتأوه على ما رأى من أذى، ثم رفع الى صاحبه عيناً بللها الدمع وخاطبه بنبرة الفجيع وصوت الحزين (ما كنت أحسبك ترجمني كما رجمني الآخرون يا أخا الزاد والملح والطريق، والله لو كنت مكاني لفضلت أنْ يأمر الوالي بدفني الى قربك على أنْ ترتفع لي يد بالسوء إليك حتى لو ارتفعت بالقرنفل أو ورد الرمان).. وظل يبكي..
تلك هي الحكاية يا ولدي فلا تعجب من فساد الدنيا وتغيّر الأحوال، ولا يزعجك إنْ رأيت نفسك مطعوناً من مقربيك فذلك أحب الى نفس أبيك من أنْ تكون طاعناً لأصدقائك ومقربيك حتى وإنْ جاءت الطعنة سهواً أو غفلة أو عن غير قصد، أو كانت بزهرة قرنفل، فكل جرح يندمل، وكل أذى يُنسى، إلا طعنة الصديق، فإنَّ جرحها لا يندمل، ووجعها يرافق الروح... اللهم هل بلغت.. اللهم فاشهد!!