التأثير الاجتماعي لكورونا

آراء 2020/06/06
...

علي لفتة سعيد
 
لا يبدو فيروس كورونا على أنه مجرّد تجربةٍ بيولوجيةٍ أو تجربةٍ استخباراتية فحسب، بل انه ايضا تجربةٌ اجتماعيةٌ لها أبعادٌ متعددة، سواء كانت نفسية أو اقتصادية وحتى دينية، فلا أحد يمكن له أن يستثني هذا الفيروس من معادلاته الحياتية، لكونه صار جزءًا منها، فهو الذي يحرّك الكلام ويحرّك الأماكن ويستبدلها.

وقد أوضح رسم كاريكاتوري جميل أبدع فيه الفنان، إذ جعل مخيّلته ترسم الناس في قفص والحيوانات تنظر إليهم، وهي تتحرّك بحرية في الشارع.. إن هذه المقارنة الاجتماعية التي تعطي مفعول التبديل المكاني، وقدرة الإنسان على التكيف حتى لو كان إجباريا، من الحركة الضاجّة، ومتابعة الواقع العالمي من حروبه وهبوط أسعار نفطه، الى حالة الركض خلف الاقتصاد الفردي على مستوى العالم، وهو ما يعني أن تأثيرات كورونا لن تكون تأثيراتٍ بيئية تمرّ وتنتهي كما مرّت فيروسات انفلونزا الخنازير والطيور وحتى الجرذان، فتلك كانت تنتقل من جسمٍ الى جسم وتصيب الحيوانات، لكن هذا المرض الفيروسي العجيب لا ينتقل إلّا عن طريق اللّمس.. اللّمس الذي يحتاج اليه الإنسان في كلّ شيء، ليس أولها الأسرة، ولا آخرها المال، ولا أوسطها لمس أيّ حاجةٍ تصادف الإنسان في الحياة حتى لو كان مقبض باب البيت أو السيارة أو منضدة صيدلية وضعت عليها الأدوية.
إن التأثيرات التي يحدثها كورونا ربما تختلف حتى عن وباءات أو جائحات سابقة، كالطاعون الذي حصد الملايين عبر وقوعه عبر التاريخ، أو أيٍ جائحة مرّت على العالم عبر القرون الماضية، لأن تلك الفيروسات أو الجائحات لم تكن بهذه الطريقة من العدوى التي جعلت الحياة كلّها تتقوقع تحت السقف، وإن كانت تختلف من مجتمعٍ الى آخر، بل إن هذا الفيروس ساوى بين الجميع، فلا هو يبتعد عن المجتمعات المتحضّرة أو الاقتصادية الجيدة والقوية المسلّحة، ولا المجتمعات الفقيرة  التي لا تملك قوت يومها، مثلما هو لا يفرّق بين الفرد في المجتمع الواحد سواء أكان غنيًا أم فقيرًا، مسؤولًا أم موظّفًا أم كاسبًا أم تاجرًا، فالكل عند الملامسة سواء، وهو ما يعني التأثير الديني الذي يراد له أن يكون واحدًا من علامات التأثير والتفكير العقلاني الذي يسوق له الكثير من الخطباء، وهو أمرٌ صحيح، فمثلما للمفكّرين الآخرين طرقهم، فللفقهاء طرقهم ايضا، وهو ما يعني التأثير النفسي الذي يقع في التحليل الذي يتوسّط الاجتماعي والديني، بما يكون له من مفعول التأثير الذي يصل الى حدّ التعنّت والتمرّد والمواجهة مع الواقع والمجتمع، خاصة أن الكثير من المجتمعات طالبت بتخفيف قيود الحظر، لأن الناس لا تعيش بلا اقتصاد، مما أثر بشكلٍ جلي في الجانب النفسي الذي أدى ببعض الناس الى الانتحار أو التمرّد على كل شيء، فضلًا عن التأثيرات النفسية التي تخلّفها الخرافة التي تنشأ مع الأزمات، والتي هي عنوان كلّ تغيّر في ثوابت المجتمعات التي تنتج عن عدم فهم الطبيعة التي خرج بها الفيروس، إن كان مؤامرةً مختبريةً أو إنتاج الطبيعة، أو بسبب عادات وتقاليد بعض المجتمعات، ولهذا فإن الخرافة تسهم مساهمةً فعّالة في التأثير النفسي لدى الفرد، وتجعله غير قادرٍ على استيعاب المتغيّرات، وربما يصل الأمر الى حدّ التحدّي واطلاق الكثير من الأقوال. يضاف الى هذا البعد الإعلامي التي يستخدم عوامل الاجتماع والدين معا. والإعلام ليس فقط المنظومة الإعلامية المتعارف عليها المقروءة والمسموعة والمرئية، بل تضاف لها منصات التواصل الاجتماعي بكلّ أنواعها التي سرّبت الكثير من الشائعات، التي أثرت بشكلٍ كبير في البيئة المجتمعية، وجعلت الفرد يلجأ بحسب هذه الشائعات الى تصديق ما يريده بحسب البيئة التي هو فيها، وبحسب الشائعة ذاتها التي تنطوي على مجموعة من العوامل الموضوعية التي يراد لها أن تكون صادقةً ومصدّقةً حين يضاف لها الجانب العلمي، فكلما زادت المعلومات العلمية حول حقيقة الفيروس، تحوّلت الى شائعة الى أن تكون هي الرائجة، ومن ثم تحوّلت الى خرافةٍ، وهو ما يعني التأثير الاجتماعي الكلّي في الفرد.
إن التأثير الاجتماعي للوباء لن يزول بزوال وجود الفيروس، بل سيبقى الى أجيالٍ عديدة، وربما سينتج من كلّ هذا فلسفةً جديدةً، لمعرفة كيفية العيش وسط المجتمعات المتناقضة والمختلفة، التي وجدت نفسها أمام وباءٍ أطلق عليه العديد من التسميات، التي ربما يصل الأمر بالفرد الى حدّ الاستهزاء أو التمرّد عليها أو التعلّق بها بحسب البيئة
 الاجتماعية.