عباس الصباغ
ما يفسّر السبب الرئيس في وصول الاصابات بجائحة كورونا في العراق الى ارقام غير مسبوقة (عبرت الألف)، في ذروة جائحة كورونا، ان وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورا اساسيا وسلبيا في صنع راي عام خاص بعيد عن وسائل الاعلام الرصينة والتقليدية ، وساهمت في ابتعاد رجل الشارع عن تلك الوسائل الكلاسيكية من جهة، ومن جهة اخرى ساهمت في عزل المتلقين عن بعضهم البعض، فصار الناس كأنهم جزر منعزلة بعضهم عن بعض، واصبح لكل متابع رأي خاص ومزاج خاص ينفرد به دون غيره، وقد انفردت تلك الوسائل في صنعه وتكوينه، كما اثرت الشائعات المغرضة في خلق مزاج خاص لكل فرد وعالم خاص به، وذلك باختلاف مصادر المعلومات وتنوّعها، واغلبها ليست موثوقة او رصينة، ولهذه الاسباب نجد تفاوتا في الامزجة بين المتلقين، ويصل الاختلاف الى درجة عدم التصديق بوباء يسمى كورونا الذي خلّف آلاف الوفيات عبر العالم، ولم يكن العراق بمنأى عن تلك الجائحة، وما يرد في بيانات وزارة الصحة وخلية الازمة من بيانات مؤكدة حول عدد الاصابات وفي جميع المحافظات، والوفيات المؤسفة، ما يدل على تفشي هذا الوباء في بلدنا العزيز، ولأسباب شتى منها عدم التزام بعض المواطنين بمقررات خلية الازمة القاضية بوجوب الالتزام بمبدأ حظر التجوال، وعدم التجمع لاي سبب كان، فضلا عن اهمية المكوث داخل البيت وعدم الخروج منه الا لضرورة قصوى، وكل تلك الاجراءات تحت شعار (خليك في البيت) الذي تحول الى مطلب عالمي وليس فقط محليا ولكن!! وما ادراك ما ولكن ! فلا يزال البعض لا يصدّقون أن ثمة وباء جائجا اسمه كورونا، والبعض الاخر يصدق ذلك ولكن يعجبه ان يتماشى مع مزاجه الخاص الذي صنعته وسائل السوشيال ميديا، الا انه يحب ان يتحدى الاجراءات التي تفرضها الحكومة، ويعدها انتقاصا من حريته ومن فرصته في ممارسة حياته الطبيعية، وان سياسة حظر التجوال هي انتهاك لمبادئ حقوق الانسان، ولعدم ثقته بحكومته وبإجراءاتها اصلا، فالمسألة مسألة ثقة.
سبب هذا التهاون وعدم الالتزام بالمعايير الصحية في العراق يعود لعدة اسباب، منها انفلات وسائل التواصل وامتلاؤها بالغث والسمين من المعلومات، والسبب الاخر يعود الى وسائل الاعلام بكافة انواعها واخفاقها في نقل الحقائق المتعلقة بخطورة هذه الجائحة على الصحة العامة لو تم فقدان السيطرة على الوباء، والعراق يوشك ان يصل الى هذه المرحلة إن لم يكن قد وصل اليها فعلا، فسيكون الامر اشد وقعا مما جرى في البلدان التي وصفت بالموبوءة كالصين وايطاليا وايران واخيرا اميركا، وهي جميعها تمتلك واقعا صحيا افضل من العراق .
جميع وسائل الاعلام والفضائيات رفعت شعار (خليك في البيت)، واخذت دورها في نشر الكثير من وسائل التوضيح لمخاطر هذه الجائحة قبل ان تتحول الى وباء مستشرٍ، فضلا عن فرض اجراءات قاسية ورادعة من قبل الجهات المختصة، وكل ذلك لم يحُل دون مخالفة البعض لتلك الاجراءات التي اوصت بها منظمة الصحة العالمية، ونفذتها جميع الدول حرصا على سلامة مواطنيها .
المزاج الخاص الذي فرض نفسه بواسطة وسائل الميديا والسوشيال ميديا غير الرصينة، وضع المواطن العراقي في زاوية حرجة، وبمزاج خاص لم يألفه سابقا، وهي تتحمل الانهيار الحاصل في الواقع الصحي .