خرجت تظاهرات في عدة مدن اميركية احتجاجا على وفاة "جورج فلويد"، وهو اميركي من اصول افريقية، على يد شرطي، في مدينة مينابولس بولاية مينسوتا، ووثقت عملية القتل والاحتجاجات عبر مقاطع الفيديو، على نطاق واسع، فضلا عن سيل عارم من صور وصحف، ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، مقتل رجل اسود في اميركا بقصد او خلاف ذلك، من قبل الشرطة، أو رجال امن اخرين، امر يحصل منذ ازمان بعيدة، اذ بات اشبه بالمألوفات، فللعنصرية في امريكا تاريخ طويل اقترن بعبودية قديمة، فهي في امريكا حصرا ظاهرة معقدة ، في تبدياتها، اذ استمرت حتى في اعقاب صدور قانون الحقوق المدنية عام 1965 الذي ساوى تماما بين السود والبيض، فرغم الغائها -اي العنصرية- تماما في القوانين والاعراف، الى الدرجة التي بلغ فيها (اوباما) من الحزب الديمقراطي رئاسة امريكا، وهو من اصول افريقية، لفترة ثماني سنوات، لكن الباحثين في الشان الأميركي يؤكدون بالوقائع ان العنصرية لم تغادر المجتمع الأميركي قط ، وهي وان اختفت بقوة القانون، والمعاملات، ولكنها ظلت تعتمل ككمون في اللاشعور الجمعي، احساس الابيض بترفعه، والاسود بمظلومية تاريخ بعيد، وتظل هذه الانفعالات مغطاة ، ومتفاقمة ، لا تلبث ان تعثر على سانحة او فرصة للتعبير عن نفسها على صورة احتجاج او عنف ، وهذا ما حصل في حادثة (جورج فلويد) المقتول من قبل الشرطة، التي فاق دويها وتجاوز سخونة قضية وباء -كورونا- واعتلى الاهتمام بها ناصية الاعلانات والمانشيتات، وزحفت الحمية الاحتجاجية لتنتقل الى بلدان اخرى مدانة من قبل امريكا بغياب العدل والديمقراطية في انظمتها مثل الصين وتركيا وبلدان اخرى في الشرق الاوسط، ما يثير الانتباه في هذه الحادثة الى ان صورة الكاميرا وفي وسائل التواصل الاجتماعي طغت وتفوقت على حجم الحادثة ذاتها، فما من رئيس امريكي سابق خلا عهده من حادثة قتل لزنجي من قبل الشرطة او رجال امن الدولة، لكن ما حدث سابقا من غضب وشغب واحتجاج، لم يصل حتى الى مستوى قليل من حادثة هذه الايام، والفعل هنا يعود الى فاعلية الصورة وكفاءتها في اختيار الزوايا وتاثيرها اللاحق في المتلقي، فالصورة التي يضع الشرطي فيها ساقه على عنق الضحية، تستدعي وتستدر منا التعاطف باقصى حالاته، حتى ياخذ بنا الظن الى أن القتل جاء مقصودا وبإصرار، ولكن من جانب ثان تواجهنا صور لحشود تنهب وتسرق وتحرق، والصورة الاخرى الاستثنائية لشرطي هو الاخر اسود ،ضربه المحتجون وترك ليموت في الشارع، اما المذهل من الصور فهي لترامب رافعا الكتاب المقدس ، خلافا لصوره التي يديرها امام الكاميرات عندما كان ينتهي من المصادقة على قراراته المثيرة للصخب، قبالة هذا الاختلاط من الصور لا نملك الا ان نندهش، فنغمر بسيل من المشاعر المتناقضة، اذ تنفصل كل قضية القتل من دوافعها الاولية، وتدفع نحو مساحات اخرى.
باختصار بات الحدث تتداوله نوايا "البروبوغاندا" بممكناتها وهندستها وتقنياتها، وبالرغم من انها حادثة قتل بشعة تشوبها دوافع عنصرية، الا انها مثلا لا تضاهي جريمة قتل المتظاهر في العراق لكي تثير هذا الزخم من الاحتجاج ، فالزنجي الأميركي -فلويد- على العموم كان مزورا للعملة ، وله سوابق في هذه الحرفة، ومع ذلك وعلى خلفية هذه التظاهرات ومشاهدها يمكننا الاستنتاج ، ومن مشاركة البعض من غير السود، ان هذه الاحتجاجات لا تخلو من ارهاصات استياء وغضب ورفض في عمق الشعب الأميركي، الانتخابات الاميركية بمعسكريها الجمهوري والديمقراطي تنتظر او تتحين الفرص بحادثة كهذه، كي تحتوى سخونتها ولتوظف انتخابيا ، لتضاف الى وباء -الكورونا - كمواد مخصبة للدعاية الانتخابية.
النسبة الانتخابية للزنوج في اميركا تساوي 13 % من مجموع من يحق لهم الانتخاب ، وهذه النسبة مهمة للديمقراطيين لتعزيز جبهتهم الانتخابية، ولكن -ترامب - لن يقف مكتوف الايدي ازاء هذا الرقم الانتخابي، فسيعمد الى تشتيته بواسطة صور السلب والنهب والحرق للمؤسسات الحكوميَّة، كما انه سيحرض الشريحة المحايدة من البيض لانتخابه، كما فعل في انتخابات 2016 عندما قلب كل ارقام التوقعات التي كانت تقرأ لصالح - هيلاري كلنتون- خصوصا في الايام الاخيرة قبل إجراء الانتخابات.