القرش الأبيض واليوم الأسود

آراء 2020/06/09
...

د. سعد العبيدي
 
يقول المثل الشعبي (القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود). مثل قيل إنه مصري الأصل، ينتشر قوله أو معناه في عموم المجتمعات العربية، وهو مثل يحاكي واقع عيش الانسان، أو يعبر عن حاجته الى التعامل مع المال بطريقة التوفير تحسباً لأيام قد تأتي صعبة، ويبدو أن قائلي المثل الأوائل يعرفون جيداً أن الفرد بحد ذاته والمجتمع يمكن أن يواجها أياماً صعبة، وأن أي فرد أو أية دولة في هذا العالم الواسع ليسا بمنأى عن الأيام الصعبة. وها قد جاءت الأيام الصعبة على عالم اليوم بأغنيائه مثل أمريكا وبريطانيا واليابان ومن سار على خطاهم، وفقرائه غالبية الدول العربية والإسلامية ومن جاورهم، لما وجدوا أو وجدت هذه الدول جميعها أنها بمواجهة أزمتين متلازمتين؛ جائحة الكورونا، والهبوط السريع لأسعار النفط، فتوقفت أعمال وأغلقت مصانع، وأقفلت مطارات ومنع التجوال، ووجد ملايين العمال والمنتجين وأصحاب المهن خصوصا أنهم عاطلون عن العمل، ووجدت شركات عملاقة أن بضائعها بائرة أو أنها تكدست على أرصفتها، إذ لا قدرة لديها على التخزين، حتى باتت تدفع مالاً من عندها لمن يشتري منها، وهكذا امتد تدحرج التأزم متوالياً من أعلى الجبل الى أسفل الوادي وبسرعة تحسب عالية، وبتدحرجه أصبحت الحاجة الى المال (القرش الأبيض) هي أساس البقاء وتسيير أمور الدولة وتأمين حاجات المجتمع لفترة محددة طال أمدها لأشهر ثلاثة، وقد ترتفع حدود الديمومة لأشهر أخرى. 
وهنا في هذه الحاجة أو الأزمة اختبرت فاعلية الأنظمة والسياسات وقدرة الدول، على مد أنظمتها وشعوبها بمستلزمات العيش، فرأينا كثيرا منها استمرت متماسكة، ومدت مواطنيها بحاجتهم من المال بالحدود الدنيا التي يكونون فيها قادرين على العيش بعد توقف عوائدهم من المال راتباً أو ربحاً تجارياً أو صناعياً أو غير ذلك، ورأينا ضخ مليارات الدولارات من هذه الدول كتخصيصات دعم ورعاية لتجاوز الأزمة، وقد قاربت على تجاوزها باحتمالات عالية، وبالحدود التي يشعر فيها المواطن بالرضا عن عيشه بحدود مقبولة، وهي الغاية الأساسية لها في إدارة الدولة والمجتمع. 
كل هذا حصل ويحصل لأنها تحسبت جيداً في عمليات انفاقها القرش الأبيض، وأبقت منه احتياطاً مناسباً لأزمات قد تواجه فيها يوماً أسود. الا نحن في العراق الحديث، ففي الأيام الأولى التي حصلت فيها الأزمة بتنا نقرأ ونسمع عن مشكلة سيولة نقدية في البلاد، وبتنا نتلمس حصولها فعلاً على المستوى العام، تأخر في صرف رواتب الموظفين والسعي الى انقاصها وإلغاء المخصصات وغيرها من إجراءات مالية استهدفت عيش المواطن ورضاه عن عيشه، لسبب واضح يعود بطبيعة الحال الي السياسات المالية الخطأ الي سارت عليها حكومات العراق المتعاقبة منذ ستة عقود، إذ لم تتحسب طوالها في التعامل مع المال العائد الى اليوم الأسود.