إنَّ الاحداث التي نعيشها تمرّ سريعا، ففي الوقت الذي كان فيه المواطن العراقي ينتفض من اجل ايصال صوته الى الدولة عبر الاحتجاج السلمي، سرعان ما ظهرت جائحة كورونا وعكست نتائجها في العراق وفي كل دول العالم، ولا تزال على المنوال ذاته، إلا أن الشيء اللافت في الاشهر الاولى من هذه المحنة، تعرض الحديث له بشكل دقيق، فتركز خطاب (الميديا) عليه بشكل اساس، بغية الوصول الى حلول ايجابية تضيق او تقضي على هذه الجائحة، وانعكس ذلك على الشارع وعلى الامكنة المفتوحة، وكذلك على الازقة والاماكن الضيقة، لأن المحنة بكل تفاصيلها تمسّ بني البشر مهما كان حيزه المكاني مفتوحا او ضيقا، وما اريد ايصاله هو ان الانسان العراقي تحديدا تعامل بوعي، وقد يكون هذا الوعي فطريا في الأغلب، وهي مسألة ترتبط بالمراحل السابقة التي عاشها، حيث الحروب وحياة الضيق والحصار ومصادرة الرأي، بمعنى أننا جميعا على استعداد للتقبل والتكيّف مع اية ظاهرة او محنة تمسّ الجميع ، فالتجارب الحياتية المعاشة اكبر برهان على التقبل لما هو آت من حالات صادمة، فكيف تكون زاوية النظر الى ما يحدث، ونحن نمسك بخيوط الحقيقة وسط احتياجات حياتية ومعيشية مطلوبة ..؟ حالة البحث عن حلول آنية يفرزها عقل الانسان ـ في العراق تحديدا ـ هي قمة الوعي ، فالكثير من ابناء المجتمع يعيش في حالة كفاف، وهي حالة استثنائية عند بعضهم، وقد تكون عامة عند البعض الآخر ، ولا نريد الدخول الى تفاصيل الاسباب التي جعلت بلدا غنيا يمتلك ثروات كثيرة يعيش في ازمة اقتصادية، إن ما أود الوصول اليه ، هو ظاهرة صنفنا البشري، وهو يؤكد ان لديه الرغبة الكبيرة في تحدي كل ما يحدث من أزمات كبيرة تهدد وجوده ، وهذه الرغبة تخلق له حكمة الحفاظ على كينونته بوعي التحدي الذي قصدناه في حديثنا هذا، ففي شوارع المدن (وتحديدا المدينة التي اسكنها)، ثمّة استجابة كبيرة من ابناء المدينة لرجالات الأمن وخلايا الأزمة الصحية، في مغادرة الاماكن التي تكثر فيها التجمعات، وهذا ينبئ عن وعي كبير، فالحكمة احيانا تأتي من التجارب المعاشة، كما ان الوعي ينهض من صلب الازمات والمحن، لذلك ترانا اكثر المجتمعات الشرقية نتداول الامثال والحِكَمْ، وان تاريخنا فيه الخزين الكافي.
مشهديَّة الاماكن في ظل ما يحدث وما سيتكرر حدوثه من تحولات، هي في الحقيقة تمثل رؤية جديدة سيدونها التاريخ، مثلما دوّن الاحداث المشابهة لها، وما يقدمه المجتمع العراقي من تفاصيل العيش مع هذه الحالات سيؤكد انه مجتمع حيّ ، وان جميع العواقب ما هي إلا مراحل لها ظروفها واجواؤها الخاصة، من جانب آخر تمثل المرحلة الراهنة نصوصا مختلفة يلتقطها الكاتب والاديب والصحفي، وهي بلا شك لها لغتها الخاصة، وبالتالي فهي مادة للتدوين، مادة مختلفة من جميع الجوانب، حتى السياسية منها، لذا قام العديد من اصحاب الشأن في ادخالها ضمن جوانب فنية/ ابداعية معينة.
ككل، المجتمعات كافة تعيش عوالم جديدة، وفق نظام وقوانين مستحدثة، ومجتمعنا ادرك ذلك، وكانت مرحلة ما بعد المحنة هي اعادة قراءة الواقع بكل تفاصيله وبكل نتائجه، وما يتمناه الجميع هو الاستفادة من جميع العواقب، باتخاذ ما يلزم اتخاذه ، بخاصة الجوانب البيئية والبرامج المطلوبة، فهناك بعض الدول ضيقت مساحة الامراض لأنها تفكر بالدرجة الاساس بوجود الانسان وبقيمته الكبيرة على وجه الأرض، فحياة ما بعد المحنة هي الاستفادة من وعي ابناء المجتمع في ايجاد الحلول اللازمة والمطلوبة، وان تكون جميع الاشياء في وضعها الصحيح والمناسب.