صداقة كورونا

آراء 2020/06/11
...

ناصر عمران
 
يبدو أن العالم فقد بوصلته وصار عاجزاً عن ايجاد الحلول والاتجاهات التي تحفظ له ماء وجهه، وهو الذي صدع رؤوسنا بإنجازات طبية عظيمة سيحققها للخروج منتصراً في معركته الوبائية الشرسة امام فيروس كورونا المستجد، الذي يعرف باسم (كوفيد - 19)، فاذا بنا نراه خائر القوى يحارب طواحين الهواء، في مشهد اقرب للبؤس والشفقة منه لأي شيء آخر، ولنستفيق على رؤية عالمية جديدة مفادها التعايش معه، ولكن الغريب في الموضوع ان الذي يطالبنا بان نعلن صداقتنا للفيروس ونتعايش معه لم يضع لنا استراتيجية لهذا التعايش الخطر الذي سيكلفنا حياتنا عند التمادي في التعايش معه، ويظهر علينا في كل لحظة بمواقف وبائية عن عدد الاصابات المتصاعدة وعدد الوفيات، والمقارنة بنسب الاصابة الوبائية بين الدول، حتى صارت المواقف الوبائية مخيفة اكثر منها تحذيرية، فلا جديد في الأمر سوى خروجنا من ملاجئ الحجر الصحي الى ميدان التعايش، وكأن ما تحملناه طوال الفترة الماضية من صبر وضغط نفسي، وما خسرناه طوال مرحلة البقاء في المنازل من خسائر اقتصادية واجتماعية وتعطيل عجلة الحياة، لم يكن إلا تمهيدا لمرحلة التعايش وصداقة كورونا، وفات السادة العالميون الذين نتطلع اليهم ونطبق قراراتهم ليعبروا بنا الى بر الامان والصحة، ان الامر لم يعد كالسابق، فشعوب العالم المتقدم التي كسر لها فيروس كورونا الصورة النمطية للعالم المتحضر، عالم حقوق الانسان وصحته ورفاهيته، تفاجأ بالحقائق؛ أن هذه البلدان المتقدمة لا تختلف عن غيرها من البلدان المتخلفة عنها، ولعل القصور الصادم في تقديم الخدمات الصحية والعجز الواضح لمراكز البحوث المختبرية، والتعامل السلبي المحبط مع الازمة الصحية، هو بوابة الرؤية لصورة العالم الحقيقية، وما الاحتجاجات والتظاهرات التي تشهدها بلدان العالم إلا نتيجة من نتائج الفشل الطبي العالمي، ومن بعده الفشل الاممي والنظام الذي يقود العالم.
 لقد خرجت الاحتجاجات في الولايات المتحدة الاميركية وبقية دول العالم ليس فقد ضد العنصرية بعد مقتل جورج فلويد، وانما ضد الفشل الواضح عالميا في ادارة الازمة الوبائية التي ضربت العالم . ان مرحلة التعايش مع الفيروس مع ملاحظة مجموعة من الاجراءات الوقائية، منها التباعد الاجتماعي واستخدام الكمامات والقفازات اليدوية الطبية، والدخول القسري لمناخات حياتية جديدة محاطة بالخوف والحذر، وصولا الى مرحلة الانحسار التلقائي للوباء بالاعتماد على تجارب وبائية تعرض لها العالم في مرحلة سابقة، من دون تقديم اي ضمانات لنتائج مختبرية قادمة، هي مرحلة تصالحية اجمع عليها المتنافس العالمي والدولي كأفضل خيار عملي وموضوعي، بعد ان فقد الرهان على عامل الوقت في طمأنة المجتمع البشري، مع احتفاظه بمنظومة اعلامية للترويج عن اكتشاف لقاحات علاجية في بلد هنا او هناك، سرعان ما ينتهي سريعا كخبر اعلامي متداول من دون حقيقة طبية علاجية، ولكنه بالمحصلة يحقق ما مطلوب منه اتجاه الرأي العام.
إنَّ الحقيقة الوقائية الوحيدة التي نستخلصها بعد تجربة الصراع العالمي مع فيروس كورونا، هي الاعتماد على ديمومة نشاط وقوة الجهاز المناعي للجسم، التي كلما كانت على اهبة الاستعداد، أمكنها ذلك من التصدي لهجوم الفيروس، وان التعليمات الصحية طوال الفترة الماضية والحالية وربما المستقبلية هي ذاتها، وربما كان الجديد فيها هو التعايش مع الفيروس وايجاد علاقة صداقة حذرة مع عدو ليس لنا بد من صداقته كما قال شاعرنا المتنبي..!