العراق يغزو أميركا!

آراء 2020/06/12
...

أماني النداوي
 
لم يعد مفهوم الغزو يعني زحف الجيوش المدججة بالسلاح لاحتلال أرض بلد آخر، وقد يسبق الغزو العسكري ويرافقه ويليه نوع من الغزو الأكثر خطورة واستمرارية، وهو غزو العقول، وكل حرب مدمرة تنتهي بالجلوس إلى طاولة التفاوض والحوار، مهما طال الصراع، وذلك ما نراه هذه الأيام، من خلال حضور العراق في المشهد الأميركي، سواء عبر التفاوض بين الحكومتين العراقية والأميركية حول ترتيب العلاقات بينهما، أو الجدل الدائر في واشنطن بين السياسيين الجمهوريين والديمقراطيين بشأن خلفيات غزو العراق وأسبابه ونتائجه، وتبادل الاتهامات بين الرئيس ترامب وباول بشأن حيثيات الحرب الأميركية، قبل سبعة عشر عاماً، ضد العراق، وكل منهما يصف الآخر بالكذب!.
في السياسة ومناوراتها، المصداقية هي المعيار الأكثر حضوراً، وقد تغيب الحقيقة في تسويغ السلوك السياسي أو تفسير الأحداث، والحروب ليست مجرد أحداث ساخنة أو اخطاء عابرة، ولكنها دماء تسفك ومصائر تتغير، وخسائر بشرية ومادية ومعنوية، ومن ثم فإن من يتورط فيها، عليه أن ينتظر يوم الحساب ودفع الثمن، ولو بعد حين، وذلك ما يستخلص من نهايات كل الطغاة المعتدين، وليس آخرهم بالطبع دكتاتور العراق السابق، ولا يستثنى من هذه القاعدة حتى غرماؤه الذين أسقطوه، فالتاريخ يسجل ويتذكر ويحاسب، ولو متأخراً أحياناَ!. العراق وأميركا يتفاوضان، ويعيدان رسم خارطة علاقاتهما المعقدة، وكل منهما يواجه أزمات داخلية وخارجية، ولم يعد كل منهما يفكر في مفهوم النصر أو الهزيمة، فما يبدو نصراَ لأحد الطرفين وهزيمة للآخر، في مرحلة زمنية معينة!.هاجم ترامب قبل أيام وزير الخارجية الأسبق، كولن باول، بعد إعلانه اعتزامه التصويت لصالح منافسه الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وكتب في تويتر: “كولن باول، متغطرس حقيقي، كان مسؤولا بدرجة كبيرة عن إدخالنا في حروب الشرق الأوسط الكارثية (يقصد العراق!)، أعلن لتوه أنه سيصوت لمتغطرس آخر، جو بايدن النعسان”، وأضاف: “ألم يقل باول إن العراق قد امتلك أسلحة دمار شامل؟.. العراق لم يمتلكها، لكننا ذهبنا إلى الحرب”!.ترامب وباول كلاهما من الحزب الجمهوري، ولكنهما مختلفان في الرأي، إلى حد التسقيط، وهو ما يبدو مربكاً في ظل حملة انتخابية مقبلة شديدة، بينه وبين منافسه الديمقراطي جو بايدن، أما لماذا يضع باول الجمهوري أوراقه في جيب مرشح ديمقراطي، فتلك من ألغاز اللعبة الديمقراطية الأميركية، وقد نجد تفسيراً لموقف باول الأسمر الذي لا بد من أن يشعر بالانحياز نحو قضية الاحتجاجات الشعبية على خلفية تهميش السود والأقليات، وهي مسألة نفسية قبل أن تكون سياسية، راسخة في عقلية الرجل، فقد كتب باول في مذكراته مشاهد مؤلمة عن تعرضه للاضطهاد والظلم، عندما كان ضابطاَ صغيراً، لمجرد اسمرار لون بشرته!.
إن المرشح الديمقراطي بايدن كان نائباً للرئيس السابق أوباما، وكلاهما لم يكن من الداعين إلى غزو العراق، وذلك عندما كان باول يقف بقوة خلف بوش الابن، وهو في منصب وزير الخارجية حينذاك، ويطرح أمام مجلس الأمن أواخر عام 2002 وثائق تتهم النظام العراقي السابق بامتلاك أسلحة محرمة، وكان باول قبلها في عام1990 رئيساً لأركان الجيش الأميركي الذي طرد قوات صدام من الكويت..وكل ذلك التاريخ السياسي لم يمنع باول من تغيير موقفه وموقعه، فنجده اليوم يضع قدميه في مربع خصومه السابقين إلى جانب المرشح الديمقراطي، في مواجهة رئيس جمهوري متهم بالنزعة العنصرية، وفي هذه الظروف المتشابكة قد يبدو لون البشرة، هو الأقرب إلى الحق والحقيقة!.
نعود إلى المفاوضات العراقية الأميركية، ونتساءل، أليس في تصريح الرئيس ترامب الواضح والصريح حول تكذيب مسوغات غزو العراق دليلاً كافياً لمطالبة العراق بتعويضات، أو في الأقل امتيازات من واشنطن؟!..أم أن اللعبة قد انتهت بالتعادل، إن لم نقل الخسارة المتبادلة، وقد تراجعت أوهام النصر!.
 
تنصيص: