ريسان الخزعلي
عند التخطيط لإنشاء أيّ مشروع اقتصادي، تكون دراسة الجدوى الاقتصادية هي المفتتح الاستهلالي في هذا التخطيط، لكونها المؤشر الأساس الذي يُحدد اتخاذ قرار الإنشاء من عدمه . كما أنها الضمانة النظرية – العملية للنجاح طيلة عمر المشروع، ولا نجاح من دون دراسة جدوى اقتصادية، كما ثبت ذلك في العديد من التجارب عالمياً.
في دراسة الجدوى الاقتصادية، وهي دراسة فنية في معظم جوانبها، لا يصح الركون إلى الاحتمال والاعتقاد إلّا بحدود ضيّقة جداً؛ ولابدَّ من محددات ومؤشرات يتم الاعتماد عليها خلال الدراسة، وهنا سنعرض بإيجاز بعض المحددات المطلوبة لإنشاء مشروع صناعي كمثال؛ وهي بالتالي محددات يمكن أن يصح بعضها أو معظمها في دراسة جدوى المشاريع الاقتصادية الأُخرى:
المواد الأولية ومدى توفرها محليّاً أو استيراديّاً، الحاجة الفعلية للمنتج وحجم الاستهلاك المحلي، توّفّر الطاقة الكهربائية والغاز، القرب من طرق المواصلات القائمة ومصادر المياه، المشاريع القائمة المشابهة ومديات تأثيرها في السوق، التكنولوجيا الصناعية المناسبة، الموارد البشرية المتاحة، علاقة المنتج بمنتجات المشاريع الأخرى، الموقع الجغرافي الأمثل، التلوّث البيئي الذي سيحصل وطرق معالجته، معدلات درجات الحرارة لسنوات سابقة في الموقع المحدد، فترة استعادة رأس المال، الهيكل التنظيمي الاداري والفني والملاك المناسب، كلف الانتاج والربح المستهدف، طرق التسويق، التعبئة والتغليف ، الطاقة الانتاجية التعاقدية والتصميمية، أيام العمل وفترات الصيانة، طبيعة الانتاج: مستمرة طوال اليوم بالمناوبة أم وجبة واحدة، الخدمات الصناعية المطلوبة، المعدات والآليات المستخدمة، السلامة الصناعية والطبابة، ورش العمل والمختبرات، وسائط نقل المنتسبين، مستلزمات السكن الضرورية قرب المصنع، المطعم والخدمات الاجتماعية، وغيرها . إنَّ الكثير من المحددات التي تم ذكرها، يتطلب معرفة إحصائية واسعة ومعالجات حسابية ورياضية، وتنظيم علاقة مع جهات متعددة: عسكرية، مدنية، أمنية، صحية، بلدية ومساحة، مستهلكين للمنتج، إذ أن لكل من هذه الجهات رأياً يرتبط بطبيعة المشروع وموقعه وتأثيره المجتمعي والعسكري والصحي... الخ.
وفي الجانب الأهم، فإنَّ القائمين على إعداد دراسة الجدوى الاقتصادية لا بدَّ من أن يكونوا من الكوادر الاختصاصية في هذا المجال، ومن أصحاب الخبرة، والتحصيل الدراسي بتفاصيله المتعددة: الهندسي، الفني، المالي، الاقتصادي، التجاري، التسويقي، القانوني، تبعاً للترابط الوثيق في ما بينها، إذ تتطلب الدراسة مثل هذا الترابط، نتيجةً لتفاصيلها المتداخلة.
وللتقريب، يمكن ملاحظة ترابط وفاعلية هذه الاطراف في تحديد قيمة المنتج، بعد أن تُحتسب الكلف الاتية للوحدة الانتاجية القياسية: كلف المواد الأولية والمواد الاحتياطية والصيانة، كلف الخدمات الصناعية (كهرباء، ماء، غاز، بخار، زيوت، محروقات).. كلف الرواتب والمخصصات والأجور والتوقيفات التقاعدية، كلف الخدمات الاجتماعية (طبابة، مطعم، سكن، نقل).. كلف التعبئة والتغليف، كلف الدعاية والإعلان ، كلف الدعوات القضائية والحقوق . ومن مجموع هذه الكلف للوحدة القياسية، وبعد إضافة نسبة مئوية إليها كهامش ربح، تتحدد قيمة المنتج، ومن خلال هذه القيمة وحجم التسويق يمكن احتساب نقطة التعادل وفترة استرداد رأس المال المُستثمَر. وللتقريب أيضاً، وبحسب المحددات القياسية العالمية التي تُشير إلى نجاح الدراسة، أن تكون نسبة الرواتب والاجور لا تتجاوز 30 % من مجموع الكُلف، وأن تكون نسبة الموظفين الاداريين بمختلف التخصصات لا تتجاوز 10 % من مجموع المنتسبين، وهكذا يكون لكل عنصر من عناصر دراسة الجدوى الاقتصادية محدداته القياسيَّة.
ما تقدم عرض موجز عن أوليات دراسة الجدوى الاقتصادية لمشروع صناعي، إلاّ أن التفاصيل الدقيقة تتطلب الكثير من الاستغراق.