زهير كاظم عبود
عانت المجموعات البشريّة من ذوي البشرة السوداء التي استقدمت للعمل في الولايات المتحدة الاميركية من عمليات استعباد ومهانة واستهانة بآدميتهم، منذ وصول السفن التجارية التي تنقل الرقيق من أفريقيا ومن بقية المستعمرات على شكل شحنات بشرية لبيعهم كرقيق، إذ يتم استخدامهم في جني المحاصيل في حقول التبغ وأعمال السخرة وخدمة المنازل،
وتطور نظام الرقيق والاستعباد الى نظام العبودية الذي صار قانونا يجعل من الإنسان الأسود سلعة يمكن تداولها وبيعها واستغلالها وان يكون الأطفال منهم عبيدا أيضا وإنهاء حياتها من قبل مالكها، وكانت الكنيسة قد رحبت بهذه القوانين وباركت الملتزمين بها، وهكذا تحول البشر الى سلعة ويستعبد الإنسان خلالها مدى الحياة.
وناضلت هذه الطبقة نضالا مريرا وطويلا من أجل التخلص من نير العبودية، وجرت محاولات يائسة لتصحيح مسار الاستعباد من دون جدوى.
وترسّخت ثقافة الاستعباد منذ زمن بعيد حين جلبت السفن تلك القوافل البشرية الى أميركا، وباعتهم وأصبحوا جزءا من عملية العبودية التي يحميها القانون، وأصبحت حالة الاستعباد ثقافة أميركية يحرص عليها المجتمع الأميركي بوصفها جزءا من حقوقه القانونية والدستورية.
وخلال تلك المرحلة قدمت تلك المجموعة البشرية قوافل من الضحايا في سبيل إثبات إنسانيتهم ورفضهم لعمليات الاستعباد المؤلم، وعدّهم مواطنين أميركيين، حالهم حال الآخرين، إلّا أن حالة النص الدستوري كانت تقف بالضد من تلك المطالب، حين كان الدستور الأميركي قبل العام 1865 يلزم كلّ ولاية من الولايات الاميركية أن تتخذ قرارها بإنهاء العبودية من عدمه مقيدا لتلك الولاية، ولا سلطة للحكومة الفيدرالية في هذه القضية، وبتراكم المطالب وتوسع التفهم الإنساني للحقوق، تم تخويل الكونغرس الأميركي حق حظر ومنع العبودية على الأراضي الاميركية، وبجهود نبيلة من الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن تقرر بتاريخ 22 /9/1862 تمّ إقرار تحرير
العبيد.
وبقي الاختلاف الجسدي في اللون مصيبة من مصائب الجنس البشري، حاله كحال الاختلاف في الأديان بين البشر، نارا تحت الرماد، إذ بقيت عملية عدم المساواة والتمييز العرقي والعنصري تمارس بشكل واضح وملموس داخل المجتمع الأميركي، ونتيجة من نتاجات التربية والثقافة التي طغت على عقول جيل تشبع بهذه القيم، وان كانت النصوص القانونية والدستورية تتيح معارضة تلك الأفكار.
ونلاحظ أن الأعمال المهمة لا تناط بالمواطن من ذوي البشرة السوداء، كما ان إهمال المدن والأحياء التي يسكنها السود، وانتشار الجهل والأمية وتفشي الأمراض وتسويق المخدرات وانتشار الجرائم في تلك المناطق، فضلا عن وجود مناطق ومطاعم وبارات لايمكن للسود أن يدخلوها، ويصل الأمر الى تعليق لوحة تشير الى هذا المنع الصريح، بما فيها الركوب في باصات نقل الركاب والتخلي عن المقاعد للبيض.
وظهرت في المدن الاميركية عصابات وميليشيات مسلحة مهمتها قتل المواطنين السود واضطهادهم، وواجهتهم أيضا كردة فعل عصابات مسلحة للسود، وتطور وضع السود في المدن الاميركية من العبودية الى التمييز العنصري، وتطفو على السطح بين فترة وأخرى داخل مدن الولايات المتحدة الأميركية جريمة ينقلها الإعلام يروح ضحيتها شباب من السود، ومع أن السود شكلوا تاريخيا عنصرا مهما من عناصر الاقتصاد الأميركي في الزراعة او في الصناعة، إلّا أن عقلية الاستهانة بالآخر وعدم الإيمان بحريته وحقه في التصويت، وصاروا وقودا في الحرب العالمية الثانية حيث راح الآلاف منهم ضحايا تلك الحرب، إلّا أنهم تمكنوا من تحقيق بعض الحقوق التي تمنع الفصل العنصري في المدارس والكليات، وبقيت حركة الاحتجاج والمطالبة بالحقوق المدنية قائمة بالرغم من كل تلك النصوص والقرارات التي جاءت نتيجة تلك المعاناة الإنسانية.
وبالرغم من الانتفاضات والحركات السلميّة التي قادها السود إلّا أن المجتمع الأميركي يعاني من مظاهر التمييز العنصري المبطن، ويرفض قسم كبير منه رؤية شاملة ومتساوية للمجتمع، مع ان المجتمع نفسه عبارة عن مهاجرين جمعتهم المدن والولايات التي ضمها الاتحاد الفيدرالي.
وستبقى تلك الآفة التي تنخر المجتمع مدفونة إلّا أنها تغدو كجمرة تحت الرماد بين فترة وأخرى، مصالح الشركات المهيمنة على عصب الحياة في الولايات المتحدة يشكل الأساس لهذه القيم، وحكم العائلات المهيمنة على أسواق المال والنفط والمناجم والتجارة ضمن هذا الأساس، الا ان التطور الإنساني وتنامي الحقوق المدنية لكل البشر سيقف مواجها لتلك العقليات وإن كانت التضحيات كبيرة ومريرة، ومع تكاثر الجرائم التي يتم ارتكابها بحق المواطنين السود، الا ان نضالهم الإنساني واثبات وجودهم ضمن المجتمع الأميركي والحياة السياسية سيخلق أرضية جديدة لمجتمع جديد يؤمن بقيمة الإنسان مهما كان لونه او جنسه أو دينه او
فكره.