الأسود والأبيض
آراء
2020/06/18

+A
-A
حسن جوان
أول تراكم تكدّس في إثر الاحتقان الشعبي العام من أداء حكومات متتالية لم تجد حلولا لأزماتها المتفاقمة وترحيل هذا الاحتقان نحو مرحلة جديد مؤجلة من الصبر والتكيف مع ظروف لا يبدو أن المواطن سينال حظاً في ما تبقى من عمره ليسعد بها. ثمة عدم رضا وتبرّم عالمي مما يجري من سياسات وغليانات في مختلف بقاع العالم وفي داخل كل بلد في الوقت نفسه. المرء هنا وهناك يشعر باستلاب وقلق دائمين يرافقه شعور بالتهديد الدائم من فقدان عمله او حياته مع أي منعطف لا علم له به. وهذا النوع من التراكم غير المعلن لكن المحسوس بقوة هو ما يجعل من كل فرد كتلة متوترة تبحث عن بركانها الفردي او
الجماعي.
التراكم الثاني يمكن أن نعدّه الأكثر خصوصية وهو ما له علاقة مباشرة بالحدث او هو ما يطلق الشرارة في قش التراكم الأول والذي قد يفوق من حيث أثره الواسع والمدمر أصل القضية بحدّ ذاتها ويتنامى في آليات وتداعيات تكاد تكون مستقلة او تتجاوز حجم الحدث الأول. فكرة التعاطي مع فرد من ذوي البشرة الداكنة بطريقة عنصرية فجّرت في مجتمع واسع ينتمي الى البشرة ذاتها قضية تاريخية تمتد الى قرون من الاضطهاد والتمييز لا يبدو أن شركاءهم في الأوطان من ذوي الأصول الاوربية ينوون الاعتذار عنها الى يومنا هذا. ورغم ان عشرات الآلاف من "البيض" في أنحاء الأرض وفي أميركا نفسها قد خرجوا لمعاضدة شركائهم الانسانيين في كل مكان من العالم، وانتصروا لهم بذات القوة والتصادم مع قوى الأمن القامعة لصوت الرفض لعنصرية الأنظمة، إلا أن القضية تلامس الآن جذراً أكثر عمقاً وتحدياً في بنية النظام التعليمي للدولة ولأجهزة الأمن وبعض المؤسسات التي تقوم على فكرة التفوق العرقي في تلك البلدان الوارثة للديانة
الاستعمارية.
إن معركة العدالة الإنسانية في مفصلها الاجتماعي طويلة وشاقة ومستمرة، لكن سقوط تماثيل في أنحاء متعددة من العالم كانت تعني رموزاً مرتبطة بحقبة العبودية والاستعمار وسحبها بحبال المتظاهرين وسط مدن كبرى لهي بداية مبشرة في فرض رؤى الشعوب في تمثيلها لعقائدها وعواطفها ومصائرها الوطنية
والإنسانية.