ريسان الخزعلي
لا يمكن لأي مرفق انتاجي/صناعي أن يستمر بالعمل والمحافظة على طاقته الانتاجية التصميمية ونوعية انتاجه بالمواصفات النوعية القياسية، مالم تكن هناك رؤية علمية واقعية في كيفية المحافظة على هذا المرفق من أجل ضمان اشتغاله طيلة عمره الزمني التعاقدي أو مايزيد عن هذا العمر. ومن أهم أساليب هذه المحافظة، تكون الصيانة في المقدمة منها، بل هي المقدمة ذاتها.
إنَّ المرفق الصناعي لا يمكن له أن يستمر بالاشتغال طيلة أيام السنة من دون توقّف مخطط ومدروس لغرض إنجاز الصيانة، مخطط يأخذ بالاعتبار ظروف العمل، وساعات التشغيل المثالية لكل جزء من الخط الإنتاجي، ومن دون هذا التوقّف المخطط سيقصر عمر المعدات والأجهزة وأنظمة السيطرة، وقد يتعرض المرفق إلى توقّف طويل نتيجة الإجهاد، وستكون كلف اعادة التشغيل عالية جداً، وستستغرق هذه الإعادة وقتاً طويلاً، ومن ثم تكون الخسارة الاقتصادية كبيرة.
إنَّ الصيانة الناجحة تعتمد بالأساس على وعي وخبرة الإدارة الفنية وتخطيطها وتنبؤها وتوثيقها لساعات الاشتغال الانتاجية، مما يتطلب تشكيل قسم مختص ببرمجة الصيانة؛ يوثّق بسجلات خاصة أو برامج ألكترونية تاريخ كل جزء من أجزاء الخط الانتاجي والأعطال التي تعرّض لها، والمواد الاحتياطية التي صُرفت له، وحجم العمل المبذول في الإصلاح مقدراً بـ (رجل. ساعة) ..، ومثل هذه الإجراءات ستعين الإدارة الفنية على التنبؤ وإجراء الصيانة بالوقت المناسب وبأقل
الكلف.
تأخذ الصيانة أشكالاً عدّة وحسب طبيعة عمل المرفق الصناعي، ويمكن تلخيصها بنوعين: الصيانة المخططة (المبرمجة) والصيانة غير المخططة (الطارئة). ففي الصيانة غير المخططة، وهي صيانة علاجية اضطرارية آنيّة، يكون الإصلاح فيها حال حصول العطل، وقد تتطلب توقّف الخط بالكامل واللجوء إلى أسلوب الإحلال أو الإبدال باستخدام الرصيد المخزني من المواد الاحتياطية، مما يُرتّب كلفاً غير محسوبة وخسارة في الانتاج غير متوقعة، ومثل هذه الصيانة تعد صيانة عالية الكلفة.
أما الصيانة المخططة أو المبرمجة، فهي صيانة تقوم على إعداد جداول زمنية تتضمن كل أجزاء المرفق الصناعي، وطبيعة الصيانة المطلوبة له: روتينيّة أو كلّية شاملة، وحسب بيانات ساعات الاشتغال، وتتم خلال توقّف كامل للمرفق الصناعي لفترة شهر خلال عام، وبظرف مناخي ملائم للعمل أو خلال فترات دوريّة تحتمها طبيعة العمل والانتاج.
ولكي تكون هذه الصيانة، صيانة مثالية تحقق النجاح، لا بدَّ من ضمان: رصيد مخزني من الانتاج يفي التسويق خلال فترة التوقّف، توفّر المواد الاحتياطية المطلوبة للصيانة، وجود العمالة المختصّة خلال التوقّف – مما يتطلب تقليل الإجازات إلى الحد الأدنى، توفير مستلزمات الصيانة الأخرى: وسائل النقل والرفع والتداول من موقع المعدات في الخط الانتاجي إلى ورش الصيانة أو في الموقع ذاته وحسب طبيعة المعدات من حيث الوزن والحجم، وجود مستلزمات التنظيف من القماش والسوائل، توفير وجبات الطعام ومتطلبات الطبابة.
في الصيانة المبرمجة أو المخططة تكون الكلف محسوبة بدقة ومرصودة ضمن الموازنة التخطيطية، وبذلك لا يترتب ما هو خارج هذه الكلف كما يحصل في الصيانة الطارئة غير المخططة.
إنَّ الصيانتين المخططة وغير المخططة تحصلان بعد أن كان المرفق الصناعي في حالة اشتغال، أما في حالة أن يتعرض المرفق إلى توقّف طويل نتيجة الظروف غير الطبيعية: الحروب، الأوبئة، تعذّر وصول المستلزمات من المناشئ الخارجية لأسباب سياسية أو اقتصادية، فيتم استخدام نوع آخر من الصيانة، ألا وهو الصيانة الحفاظية التي تقوم على تدوير المعدات الدوّارة أسبوعياً، وتزييت وتغليف الثابت منها، ومتابعة وجودها في مواقعها تحسباً من فقدانها لأي سببٍ كان.
إنَّ الصيانة المخططة أو المبرمجة، سواء كانت دورية أو سنوية، هي الضمانة الحقيقية لإدامة الانتاج واستمرار العملية الانتاجية ....