حمزة مصطفى
في قلب بغداد التي هي دار السلام مرة، وعاصمة الرشيد (الشارع مدري الخليفة أبو الغيمة التي كان ينتظر خراجها في أي مكان أمطرت) مرة أخرى انتشر فيديو لـ"دكة عشائرية". ما الجديد؟ الدكات العشائرية بل والنزاعات العشائرية تكاد تحصل يومياً, ولم تنقطع حتى حين عوملت قضائياً على وفق المادة 4 إرهاب. الجديد في هذه الدكة أمران لفتا نظري وأكيد نظر كل من شاهد الفيديو. الأول هو ارتداء غالبية المهاجمين أو "الداكين" الكمامة والكفوف, وهو ما يعني التزامهم بالتعليمات الصحية الصادرة عن خليتي الأزمة الحكومية والنيابية معاً. أما الأمر الثاني اللافت جداً فهو مرور دورية الشرطة أو النجدة لا أعرف "مجموعة من السيارات الخضراء المدجج أفرادها بالأسلحة الخفيفة على غرار جماعة الدكة" التي كانت في وضح النهار وعلى قارعة طريق تحف به أسواق ودكاكين وناس رائحة وأخرى غادية ولم يكن ينظر الغادي الى الذي هو رائح "يعني كلمن حاير بدرده". ومع أنَّ الدورية كانت تقوم بمهمة اعتيادية لضبط الأمن في البلاد وبسط القانون بين العباد فإنها لم تسلم من الهجوم اللفظي للأخوة الداكين المهاجمين أصحاب الشعار الخالد "وين يروح المطلوب النه". فلحظة شقها طريقها بين المهاجمين وكأن ما يجري أمامها فعالية اجتماعية أو مهرجان خيري تتخلله قصائد ودبكات وأغان بهذه المناسبة السعيدة أطلق أحد المهاجمين صرخة مدوية قائلاً وقد بدت على أساريره بشائر النصر المؤزر "حتى أبو الدورية شحتناه".
نحن هنا أمام معادلة طرفاها "شاحت" و"مشحوت". الشاحت هو المواطن و"فوكاها" الصالح بدليل التزامه التام بتعليمات الجهات الصحية والأمنية حيال جائحة كورونا, والمشحوت هو القانون الذي لا أحد فوقه مثلما يقول طارق حرب وعبد الرزاق السنهوري ورئيس وزراء مالطا وقائممقام ولاية فرجينيا. مع ذلك فإننا حين نعرف سبب هذا الاختلال بين المواطن "شاحت من يمثل القانون" وبين رجل القانون المشحوت في دوريته عند حدوث الدكة لا نحتاج عندها الذهاب الى القاضي لأنه سيكون مضيعة للوقت.
سؤال افتراضي: ماذا لو توقفت الدورية بعجلاتها الثلاث ونزل منها أفرادها المسلحون حالهم حال منفذي الدكة العشائرية وأوقفوهم أو اعتقلوا عدداً منهم؟ ماذا يحصل؟ على الأرجح تحصل مواجهة بين الطرفين.. القانون والخارج عنه. والنتيجة؟ قد يسقط ضحايا من الطرفين وقد لا يسقط. في كلتا الحالتين ستكون الغلبة لصالح القانون، لا سيما أنَّ فرص تعزيزعديد الشرطة كبير بمجرد نداء من الدورية, في حين لن يتمكن المهاجمون من تعزيز عديدهم. لماذا لم يحصل ذلك؟ لأنَّ هناك خللاً في بنية النظام العام وعلاقته بالعشائر والأعراف. فالعرف والعشيرة أقوى من القانون حتى للغالبية من موظفي الدولة سواء كانوا وزراء أو نواباً أو سفراء أو مدراء عامين أو رجال جيش وشرطة. والأمثلة ماثلة أمامنا ومن واقع حياتنا اليومية. فعلى مدى السنوات الماضية القريبة جداً كم وزير ونائب ومدير عام ودرجة خاصة وشرطي "كاوم" مثيلاً له؟ المشكلة إنه حتى حين يلجأ الطرفان الى التقاضي وفق القانون فإنَّ الفصل العسائري يبقى هو الفيصل بالأمر. لذلك لا ألوم المهاجمين الداكين حين "شحتوا" الدورية. مع ذلك يبقى السؤال مطروحا بشأن الدورية التي لم تعترض أحداً.. بأي ذنب "شحتت"؟.