د. عبدالله حميد العتابي
لقد فهم الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر الذي (يعد أحد أعلام الحوزة العلمية في النجف، ومجتهدا له شريحة واسعة من المقلدين، وهو أيضا قائد الحركة الاسلامية في العراق في العقد الأخير من القرن العشرين)، فهم أن للمراجع دورا محوريا على مر التاريخ في تقويم المجتمع وإصلاحه، وأن لديه ميزة لا يمتلكها غيره، تتمثل بالإيمان بالمرجعية، فالناس تنقاد تلقائيا إلى الله سبحانه وتعالى، وتبقى الحاجة إلى الطاقة الروحية ضرورية، لذا التحق جمهور واسع من طبقات اجتماعية، عانت من فساد الحصار الاقتصادي، فضلاً عن حرمان فرص المشاركة السياسية في ادارة البلاد، بمرجعية السيد محمد الصدر، ويبدو ان التشابك بين العاملين الاجتماعي والاقتصادي، منح السيد الصدر دورا في بروزه لاعبا اساسيا في العراق، ومصلحا اجتماعيا. ولأن المرجع يشكل الركيزة الأساسية لعملية الاصلاح في المجال الحياتي، فقد انفتح السيد الصدر على إصلاح شرائح عديدة من المجتمع تقف في مقدمتها العشيرة، إذ أيقن الصدر أن العراق بلد عشائري بامتياز، وفي الطور المكي للدعوة الاسلامية، كانت العشيرة المجال الحيوي الاول في إطار الكسب الاسلامي، والاية القرآنية ترشد الرسول إلى ذلك ((وانذر عشيرتك الأقربين)). وفي الوقت الذي جاء التنظير الإسلامي تفكيكا للعشيرة، وداعيا إلى إلغاء العصبيات العشائرية من منطلق الانسانية ((كلكم لآدم وآدم من تراب)) و ((لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى)). فقد بقيت المؤثرات العشائرية فاعلة حتى في أحرج اللحظات التاريخية، كما في مسألة استخلاف الرسول بعد وفاته، بحيث كان المنطق السائد في مؤتمر السقيفة والسجالات التي دارت بين المهاجرين والانصار هما منطق العشيرة. ومن المفيد الاشارة إلى الترابط العضوي بين العشائر ومراجع الدين، وقد تجسد ذلك في العديد من الأحداث التاريخية التي اعتمد فيها مراجع الدين على أبناء العشائر، لاسيما في المواجهات العسكرية عامي 1914 و1920. استشعر السيد الصدر بأهمية العشيرة، لذا رفض الصدر تسلم الحقوق الشرعية من العشائر، بل أمرهم بتوزيعها وصرفها داخل العشيرة، فأوجد حالة من عطاء المرجع للعشيرة بدل الأخذ منها، كما أرسل الوكلاء الواعين للعشائر، وبذل جهدا أكبر من أجل تغيير (السنن) العشائرية التي تخالف مضامينها مفردات الشريعة الإسلامية، فاتفق مع شيوخ العشائر على توقيع عقد (السانية العشائرية) التي تنظم تسوية مشاكلهم على وفق التعاليم الاسلامية، إذ أعلن السيد الصدر بوضوح: "ويجب ألا يبقى الحال على ما هو عليه من عدم التفقه في الدين، ولا ينبغي ان يكون قانون العشائر معمولا به بما لا يرضي الحوزة ولا اي مرجع ولا متفقه في دينه لانه حرام في حرام". نستخلص مما تقدم، ايمان السيد الصدر بأن محاربة التقاليد والعادات العشائرية انما تكمن في الالتزام بالشريعة الاسلامية.