في كتابه "ثورة 1920 قراءة جديدة في ضوء الوثائق التاريخية" يشير د.عباس كاظم، أستاذ التاريخ في جامعة هوبكنز الاميركية الى معطيات جديدة يستند فيها الى وثائق بريطانية تؤكد بما لايقبل اللبس نشوء وانبثاق الدولة العراقية قبل إعلان المملكة العراقية على يد البريطانيين وتتويج فيصل الأول ملكا على العراق. وهي فكرة مناهضة للفكرة التقليدية التي تقول بالتأسيس خلاف ذلك. هذا الامر في الواقع، يلفت انتباهتنا الى أهمية القراءة العميقة للمنعطفات التاريخية في حياة الشعوب والأمم وفق رؤية دراسة الاحتمالات التي تهتم بالبراهين أكثر من المعلومة المتواترة بطريقة شفاهية غالبا ما تكون مخادعة وغير ذات قدرة على اجتراح الحقيقة التاريخية. وقد تلعب العاطفة او المزاج الشعبي العام دورهما في ترسيخ هذه الحقائق فتصبح قارّة ولايمكن إزاحتها بسهولة ويسر. وقد نحتاج الى جدل وانفعال كبيرين في تصحيح مسارات تاريخية كثيرة ومتعددة في تاريخ العراق المعاصر على ضوء هذه الرؤية. مناسبة استدعاء فكرة عباس كاظم وطريقة دراسته للوقائع التاريخية تجعلنا في مواجهة صاخبة للسعي الحقيقي في قراءة التاريخ بعيدا عن نظرية "التاريخ يكتبه الأقوياء او المنتصرون من دون تقديم البدائل في قراءة الوقائع" وهي نظرية باتت غير نافعة بعد انفتاح مناهج البحث على اكثر المفاصل تعقيدا في تدوين التاريخ، مستندين في ذلك الى قراءة الوثائق واستنطاق الشهود بطريقة علمية يحدوها المزاج الثقافي لا المزاج الشعبي في الوصول الى نتائج حقيقية – او أنها أقرب للحقيقة – حتى وإن كانت صادمة وجديدة ومهملة وغير سائدة في الفهم العام والمعرفة التاريخية..
قد يختلف كثيرون مع "كاظم" في نتائج تلك الثورة العظيمة التي اعادت للعراق موقعه المهم في الوجود الأممي، من خلال رؤيته الصادمة في التمايز الطائفي الذي أسس لتاريخ الثورة بالتزوير وسعى الى تثبيت جذور ركائزها على مستوى أماكن الثورة او أسماء زعمائها بعملية مركبة وقائمة على التلفيق بحسب الباحث، لكننا جميعا سنتفق ان هذه الثورة كانت مباغتة وغير متوقعة في الأدبيات السياسية للبريطانيين الذين يعرفون جيدا خلو الأفراد والجماعات العراقية من أية قدرة عسكرية تؤهلهم للصمود بوجه الآلة العسكرية المتطورة والهائلة التي تمتلكها الجيوش
الانكليزية.
السؤال التاريخي الذي ينبثق في مناسبة استحضار التاريخ الشاسع واللامع لثورة العشرين، سيكمن في مدى القدرة على القراءة التاريخية الدقيقة لتاريخ ملتبس مثل التاريخ العراقي الذي سيحتاج الى قراءات ثقافية توازي في أهميتها الاشتغال على الوقائع لإنصاف رموزها ومجتهدي نضالها الطويل.. هل بمقدور مدوني التاريخ العراقي ان يجعلوا من الخصومة الهوياتية أو الاثنية – إن وجدت - سببا في دراسة التاريخ وفق معطيات جديدة لا تولي الشائع اهتماما قدر اهتمامها بالحقائق المجردة الحقيقية بالاستناد الى الوثائق والشهود كما فعل عباس كاظم في كتابه المهم هذا؟
لقد كانت ثورة 1920 واحدة من منعطفات التاريخ الأكثر قوة في تصحيح بوصلة الحياة العراقية وليس الثورة فقط على أوضاع قد تنتعش او تتردى بحسب الأهوال التي تعصف
بالأمم.