ثورة العشرين تعدُّ من أهم الأحداث في تاريخنا المعاصر وانطلاقة واضحة في التغيير لحياة عراقية سياسيا وفكريا؛ لأنها منعطف تاريخي كبير لبداية تأسيس دولة عراقية، إذ خلقت أفكارا جديدة منها التخلص من السيطرة الاستعمارية من أجل إقامة دولة عراقية مستقلة والوصول الى الاستقلال والتمتع بالحرية والسيادة. وكذلك خلقت فكرة توحيد المطاليب من مختلف الطبقات من أهل المدينة والريف، رغم الإشكالات بين الاثنين من عادات وتقاليد ولا ننسى القوى العربية والكردية التي توحدت بذات الفكرة من الاستقلال والحرية.
ومن المصادفات الجميلة ايضا في هذه الثورة ظهور شيوخ الدين ودورهم المهم في النشاط الجهادي الذي استطاع أن يؤثر في شيوخ العشائر وتوحيد كلمتهم لأن غالبية سكان الريف لها طاعة عمياء لشيوخ العشائر المتحالفين مع المؤسسات الدينية، مسألة الجهاد لم تتبلور او تنطلق من كربلاء أو النجف بل إنها امتدت في جميع مدن العراق ذات النفس الشيعي للترابط الروحي والعقائدي بين رجال الدين والعلماء وطلبتهم وشهدت النجف وكربلاء والكاظمية الكثير من البطولات الميدانية وبث روح الحماس الفكري الثوري ضد الإنكليز بيد علماء الدين وطلبتهم، وأخص بالذكر علماء الدين في الحوزة العلمية الشريفة في النجف إذ أخذوا يعطون للوعي السياسي تجسيدا آخر يخدم المجتمع لمحاربة الاستبداد ويعزز روح الاحتجاج لمقاومة الاحتلال.
ولعبت الصحافة دورا مهما في توسيع أهداف الثورة خاصة (جريدة الفرات والاستقلال) وبينت المشكلات التي تواجه المجتمع العراقي، إذ فضحتا نوايا البريطانيين الاستعمارية ومخططهم بين الادعاء بتحرير العراق من الهيمنة العثمانية وبين سقوط العراق تحت احتلال جديد (بريطاني).
ومن خلالها توحد الشيعة والسنة في هدف دحر المستعمر وتلك نقطة أعطت الكثير من الدلالات أن الشعب العراقي يتوحد إن كان مصير بلده يتحتم ذلك بعيدا عن التعصب الديني او المذهبي، وأسهم توحدهم في توسيع ميادين الثورات، وتأجيج الروح الحماسية في نفوس المناضلين.
وتوحدت كذلك روح الكلمة من خلال الشعراء والخطباء والمفكرين والأدباء من أمثال الرصافي والزهاوي والداغستاني وشوكت باشا ورفعت الجادرجي ومحمد مهدي البصير وغيرهم الكثير من الشخصيات المهمة في تاريخ العراق الذين توزعت أدوارهم في بث الروح الوطنية لكل فئات الشعب، رغم أنها تأثرت بالطابع الديني والعشائري إلا أنها زرعت الوعي الثوري بين فئات الشعب العراقي بكل أطيافه ووضـع جـمـيـع الـمـحـافـل الـثـقـافـيـة ومنابرها للـمـواجـهـة، وعـلـى رغـم من أن الـثـورة أعطت نصرا متواضعا إلا أنـهـا اسـتـطاعـت أن تـمـهـد الـطـريـق لـوعـي قوي للأجيال المقبلة.
لو أن ثورة العشرين لم يغب عنها العمل الحقيقي من ستراتيجية جامعة وسياسة موحدة بتنظيم حقيقي لتمكن ثوارها من تحقيق الهدف او المطلب في تأسيس دولة مستقلة في وقتها، لكننا وجدنا ضعف التنظيم من خلال غياب مفاهيم بناء دولة كما الآن، اذ تسعى الشعوب الى إبراز مفاهيم الديمقراطية والحريات والمواطنة والمساوة والتعايش بعيدا عن قوة الحكم لا على قوة
المؤسسات.