السينما والسياسة والعنصريَّة

الصفحة الاخيرة 2020/07/04
...

علي حسن الفواز
 
حديث العنصريَّة  في السياسة، كان له مقابل في السينما، فكثير من الأفلام التي وجدت في ثيمة اللون مجالاً للحديث عن معاناة الإنسان بسبب لونه وهويته وجندره، وعن عذاباته وحرمانه، وفقدانه لأبسط شروط حريته وإنسانيته، وبقدر ما تبدو هذه العلاقة ملتبسة ومثيرة للجدل، فإنَّ العلاقة بينهما هي الأكثر توظيفاً ولأغراض شتى، حتى بات كثيرٌ من الممثلين "الملونين" يجدون أنفسهم في مآزق واقعيَّة، وسينمائيَّة، فالأدوار التي تُسند إليهم، أو تفرض عليهم تتعالق مع قضايا قد لا يجدون أنفسهم فيها، لا سيما  تلك التي تجعلهم يدافعون عن النظام الرأسمالي، أو الحرية الأميركيَّة، أو يوظفهم المخروجون في أدوار عاطفيَّة، يكونون فيها عشاقاً لنساء بيضاوات، في رسالة توحي باللاعنصريَّة ومعاداة اللون..
ما حدث في أميركا بعد مقتل جورج فلويد، وبطريقة تراجيديَّة، بدا وكأنه تعبيرٌ عن رفض الكراهية العنصرية، حيث تفجّر اللامكبوت اللوني، وحيث صارت الجريمة التي لم تكن جديدة، منصة مفتوحة للحديث عن محنة السياسة، وعن دورها في حماية العنصرية، وحتى التستر على "رجال أمن" في الفيدرالية الأميركيَّة، لهم سجلات مفتوحة للممارسات العنصريَّة، وربما كانت مجالاً للحديث عن موضوع عنصريَّة اللون في أوروبا، وفي بعض دول أميركا اللاتينية كما في البرازيل.
ما حدث لم يعد صالحاً للسينما بالمعنى النمطي، فرغم ما تملكه السينما من قدرات هائلة على "الاحتيال" وعلى تغيير الوقائع، والعبث بالثقافات والألوان والمرجعيات الإثنية، إلّا أنَّ خطورة الحدث، والمدّ الشعبي الذي رافقه، ستكون له ردود فعل خطيرة على التوجهات الإنتاجيَّة للسينما الأميركيَّة والبريطانيَّة والفرنسيَّة، إذ ستكون الشخصية الملونة بعيدة عن ذلك النمط، وعن التوظيف الساذج، عاطفياً أو سياسياً أو اجتماعياً، مثلما سيجد الممثل من أصول افريقية كما يسمى في الأدبيات الغربيَّة نفسه في موضع لا يُحسد عليه، إلّا في حالة قبوله بالخضوع الى النمط، والتماهي مع نوايا السياسة التي ستراجعها حتماً مؤسسات الإدارة هنا أو هناك، للتخلّص من أعباء هذه الجريمة، والعودة لحديث الاندماج الثقافي، وإعادة صناعة البطل "الزنجي" بوصفه بطلاً أخلاقياً أو ثورياً، وأنه صالح للوظائف ذاتها التي يمكن أنْ ينهض بها الرجل الأبيض في السينما وفي الواقع ايضاً...