ماذا نريد من أميركا؟

الثانية والثالثة 2018/12/31
...

ابراهيم العبادي
 
لم تهدأ العاصفة السياسية التي حركتها زيارة الرئيس الاميركي ترامب الى قاعدة عين الاسد في العراق،ظاهر العاصفة يشير الى توافق عز مثيله بين الفاعليات السياسية الشيعية في رفض الزيارة شكلا ومضمونا، لكن باطن العاصفة - وهو الاهم في تقديري - يشير الى غلبة الموقف الشعبوي على تفكير بعض النخب  السياسية الشيعية وتسابق الغالبية في اصدار البيانات وتأكيد المواقف . دون ان نجيب على السؤال الجوهري ماذا نريد من اميركا؟ وكيف نبني معها علاقة متوازنة؟.
من حيث المبدأ كانت زيارة ترامب سيئة الاخراج، محفوفة بالتساؤلات، لا تنم عن كبرياء وشجاعة، الذين شبهوها باللصوصية فاتهم كيف يفكر العقل السياسي الاميركي حينما يتعلق الامر بأمن الرئيس وما قد يتعرض له من خدش امني وسياسي، فالعراق مصنف اميركيا ساحة خطرة جدا، ولهذا فهم يحاذرون من زيارته الا بشكل سري ولا يطلعون الرأي العام الا بعد انتهاء زيارة كبار مسؤوليهم خوفا عليهم،  الذي يعنينا هو المتغير السياسي الذي جعل الساسة يتبارون في المواقف المضادة للسياسة الاميركية في العراق، فالجميع على علم بضعف الدولة وحاجتها الى المساندة والدعم من اميركا بالذات،  العراق الرسمي لا يزال يطلب  الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي والفني الاميركي للعراق، والمصلحة العراقية تقتضي عدم الدخول  في خصومة ايديولوجية مع الولايات المتحدة رغم عديد القضايا التي يختلف فيها قسم من العراقيين مع اميركا سياسيا وستراتيجيا اولها ان العراق لا يريد  ان تحمله واشنطن تبعات خصوماتها ومعاركها مع الاخرين، والعراق  السياسي يدرك ان العلاقات الوطيدة والقوية مع واشنطن هي حاجة عراقية قبل ان تكون اميركية، والعراق المتطيف يقدر ثقل واهمية وخطورة الحضور الاميركي في العراق، فيوم تذرع الاميركان بعدم القدرة على التدخل الجوي ضد جحافل داعش الزاحفة من الصحراء باتجاه المدن الغربية ،وجهنا اللوم اليهم  وقلنا عن اتفاقية الاطار الستراتيجي معهم  انها لم تحقق للعراق الغرض الذي دونت لاجله،  وكان واضحا يومها ان الاميركان ارادوا ان يثبتوا للعراقيين انهم غير قادرين على الاستغناء عن الدعم العسكري الاميركي، وحتى لو استمات العراقيون في التطفيف من حجم المساعدة العسكرية والدعم الجوي الاميركي في الحرب على الارهاب، فان ذلك لن يلغي حقيقة هذا الثقل واهميته في دعم معارك العراقيين وبسالتهم وشجاعتهم وتضحياتهم التي حققت نصرا عسكريا باهرا دون القضاء على التهديد الامني، لكن ذلك لا يعني ان مساهمة الاميركان كانت هامشية او غير ضرورية، وخلاصة الامر ان العراق ليس بقادر وليس من مصلحته التخلي عن (تحالفه مع الولايات المتحدة) سواء حكمتها ادارات معتدلة ام متطرفة، تدوس على سيادتنا ام تقدر حساسياتنا، العراق في وضعه الحالي يحتاج الى دعم اميركي متزايد على كل الاصعدة، لانها مصلحة عراقية اولا  قبل ان تكون مصلحة امنية وسياسية واقتصادية اميركية، ولكن ما هي مصلحة الاميركان من ذلك؟ لن نجادل في ان لواشنطن  الف مصلحة ومصلحة في العراق وربما تمنى الاميركان على شاكلة الرئيس ترامب  لو انهم لم يتدخلوا  في العراق ولم يخسروا ما خسروه منذ 2003، فعراق منبوذ اميركيا اسهل تعاملا  لواشنطن من عراق ضعيف اصبح ورطة اميركية اكثر منه مسؤولية وتحالف ومشاركة، هذه الحقيقة يدركها الاميركان اكثر مما تدركها النخب الشيعية التي اعتادت التفكير بمشاعرها قبل عقلها العملي. 
السياسة الاميركية نفعية براغماتية مكروهة كثيرا وصادمة ومزعجة لا تشرف احدا في الدفاع عنها بل تحمل المدافعين  كلفا وخسائر فادحة ومن السهل ان يتورط سياسي او مثقف بلوثة ودمغة العمالة لاميركا، لكن من الصعب ان يبرأ هذا السياسي والمثقف من هذه التهمة اذا لاكتها ألسن  الشعبوية العراقية المعروفة بتسرعها وتصنيفاتها، لسنا مخيرين حتى نفرط بعلاقة متوازنة ومحسوبة مع الاميركان رغم الود المفقود لالف سبب وسبب، لكننا قادرون على ترسيم معادلة العلاقة بكثير من الحكمة وقليل من الشعارات بحسابات المصالح الواقعية والمخاطر والفرص المستقبلية، فعلاقة عراقية اميركية ناجحة ستكون مفيدة لاصدقاء العراقيين وجيرانهم  من الذين تستهدفهم السياسات الاميركية، وستكون ضرورة تكتيكية وعظيمة الاهمية ستراتيجيا. فهل يعي العراقيون ذلك!!!؟؟؟؟. من يريد الخلاص من خطر الهيمنة الاميركية وتبعاتها عليه ان يتصرف ويسعى ويجد في بناء الدولة العراقية لتكون قوية ومهابة ومتينة وقادرة على الدفاع عن نفسها وحماية مصالحها وسيادتها، لا ان يسعى لبناء اقطاعيات عسكرية واقتصادية  تكون هدفا للتدخلات الاميركية او يواصل سياسة اضعاف الدولة وهز صورتها والسخرية منها في كل يوم .