إنَّ الغرض الاستعمالي للضمائر في الحوار القصصي يميل الى أن تنتظم الضمائر بتوليف إشاري يعتمد الضمير الغائب (الخفي) في المقول القصصي وأفعاله كضرورة لحساب المسافة بين المتواصلين. بمعنى أن حال التعبير بالضمير الغائب الحاضر سردا يتوجه الى مخاطب له القيمة الضميرية نفسها من حيث الإشارة والخفية. على الرغم من أن تغير أهمية ذلك يحسب بحساب هدف الخطاب إن تم تسجيله كخطاطة قصصية.
خطاطة الحوار القصصية بالضمير الغائي تدفعنا الى أن نقرن التوليفة الضميرية للإشارة الخطابية بما يفترض من إشارات ضمنية لم يتفق عليها بين المتحاورين، تفترض (سوء فهم) في استقبال الرسالة (الإشارة) كونها سوءاً ناتجاً عن حاجة أن يستمر الخطاب القصصي في تصحيح الفهم، وسوف يختلف طرفا التحاور في توجيه الرسائل وسوء الفهم، بما يجعل التناوب غير متكافئ في الكثير من الأحيان، فتدخل فاعلية الضمير ضمن فاعلية الفعل، أي أن الضمير سيكون فاعلاً ومفعولاً وحالاً وهيئة وفكرة توليدية للإشارة الى ما يعني "إسناد الإشارة لإجراء خطابي، وإسناد القرائن الإشارية لمواضيع احتواها الخطابي" (1).
مما يجعل الحوار الضميري تعويضاً عن شخوص ورواة وفواعل، كما أنه يتماهى مع فهم النص كمستوى لغوي، إذ أن "النص يعيد توزيع المقولات اللغوية والسيميائية "(2). والمهم في الصفة الإشارية للضمائر أنها إشارية قرائية تختص بالزمن (تغييباً واحضاراً)، وبالعدد (الجمع والإفراد). وقد تختص الضمائر الإشارية بالأثر الخطابي (المتكلم، المخاطب، المستتر وجوباً أو جوازاً) وهو ما يمكن أن يرتب الإشارة بحسب توالي بناءات الحوار الفنية القصدية، وحتى الحوار المشهدي يحتوي على قدر مهم من الضمر الإشاري، بقرائن ومن دون
قرائن. وإذا اعتبرنا التوليف الإشاري نظاماً فهو ليس نظاماً قسرياً، وليس نظاماً فوضوياً بل هو تنظيم لتسبيب الكلام، سواء كان نصاً أو خطاباً.
التوليف الإشاري اذاً جزء من الهيكل النظامي للقص وأن طرفيه العلاقات الاجتماعية واللغة، بما فيهما من فعل وفاعل ومفعول واحوال وحروف وظروف. وقد يصير الضمير وسيطاً أو حدّاً بين تلك العناصر جميعها، سواء كان مسمىً مخاطبا أم غائباً.
أما الموضوعة الأُخرى المكملة للضمائر في القص، فهي ان تكون موصلات إشارية تعطي توصيفا للدلالة المباشرة للضمائر، أي ان (الضمر) أو الحزر أو الضم أو التثبيت أو تأجيل القصد هي وظائف أساسية لها، فالضمائر منها ما يختفي من التدوين، لكن يُقدر عمله الوظيفي، وليس من باب العبث أن الضمائر في جميع لغات العالم، متصلة ومنفصلة فقط، إن لم تكن وظائفها "عالمياً" متقاربة إشارياً، ومن ثم دلالياً. كما أنها من حيث التشخيص تصنف إلى ضمائر للمتكلم وللغائب وللمخاطب، ومن الناحية السردية يمكن صياغة الجمل بضمها للضمائر مناوبة أو مستبدلة للشخوص لإثراء السرد ولغة القص بما يشكل مستوى معيناً من الجدل الخاص بالضمائر الإشارية.
إن المناورات في تضمين القول ضمائرَ للخطاب والاشارة كفواعل ومفاعيل وأحوال يعد استثماراً يحرر الكاتب القصصي من التكرار والرتابة وركة العبارة، كما يحرره من التزمت القواعدي والبلاغي.
ومن زاوية (الضمر) في القص، فالضمائر تساعد على اخفاء الواضح والمقصود الذي يدل عليه الظاهر اللغوي (كالضمير الفاعل البطل)، والإخفاء من هذا النمط يمكن تمييزه بسهولة فمثلاً:
(راقبهما مشدوهاً)، يكون [ضمير (هما) للغائبين + (هو) الفاعل] ضميران لضمائر تُبين حال الغائب عن طريق ضمير مخبر هو (الراوي) الذي أخبر عن المراقبة والانشداه والغياب، لأفعال مقدرة هي (أبقى، أضمر، أخفى)، الضميران فككا لنا نصف الفهم بالإخبار وأبقيا النصف الآخر لعمل التخمين. ومن الممكن وضع احتمالات مكملة أو موضحة من مثلما هو في:
"رآهما يضحكان منسجمين كأي متزوجين" هنا تنغلق الاحتمالات عند هذا الحد. ويمكن فتح الاحتمالات ثانية بـ "لم يكونا متزوجين، كانا صديقين كبيري السن".
ثم يُزاد الفتح بجدل تقابلي ضميري في تعليق الجمل بضمير فاعل أساسي جديد كما في (رأيا صاحبهما الثالث وهو مُراقب صفِهم في السادس الابتدائي، أيام كانوا من منتسبيه)، ومثلما يُرى فإن الضمائر وضعتْ لنفسها جدلاً طوّر طاقة المقاطع النصية الجملية. بالطبع يمكن تطوير النص إلى هدف عدمي بالقول (زادت حماسته في الركض نحوهم حين وصلهم دوى انفجار من حزام الشخص الرابع).
وبذي يتحول الجدل إلى فكر فني نقائضي.
ويمكن الإفادة من حالة الضمر والإخفاء حين يمارس الكاتب مناورات لغوية من خلال الحضور والغياب، فيستطيع جعل المتكلم غائباً مثلما في:
(أمس قال علي: كنتُ مريضاً). تاء المتكلم عَبّرت عن معنى الغياب وعكس ذلك ممكن أيضاً مثلما في:
"هو يمسك برقبتي الآن، ولن أُقاومه" (هو) ضمير للغائب جُعِل بضمير الفعل الحاضر.
اذاً لنا أن نفهم بأن لكل فعل وضميره جملة لها آن زمني ما. اني أجد الصفة الاخفائية لخطابية الضمائر – جدليتها – أعمق بكثير مما طرحناه حتى الآن. وصيغة الحوار الضميري ظاهرة لم يعنَ بها كثيراً على الرغم من أنها وظيفة لغوية فنية جدية ومهمة في المناورة الكلامية اللسانية.
المصادر المساعدة
(1) ك اوريكيوني، فعل القول من الذاتية في اللغة، مصدر سابق، ص66
(2) د. حسين خمري، أسس نظرية النص من بنية المعنى إلى سيميائية الدال، مصدر سابق، ص80 .