مشاركة الأطفال بمشاهدة الرسوم المتحركة تعيدك للطفولة

اسرة ومجتمع 2019/01/01
...

يونس جلوب العراف
يتساءل أبو انس مع نفسه ويقول لا ادري ما الذي يجعل البعض يشارك الأطفال في مشاهدة أفلام الرسوم المتحركة رغم أنهم لم يعودوا أطفالاً ؟ وهل يعتقد الكبار الذين يشاهدون الكارتون أن هذه الأعمال الخيالية تشكل مساحة للفرح في عالم مليء بالمتاعب والهموم؟  أم هو الحنين إلى ذكريات الطفولة الجميلة حيث الأفلام والمسلسلات الكارتونية التي شاهدناها آنذاك وأصبحت جزءاً أصيلاً من الذاكرة بفضل ارتكازها على أعمال أدبية وعالمية راقية المستوى؟ .
حوار بين الجيلين
يفسر الدكتور سعد مطر انجذاب الكبار الى افلام الكارتون التي تابعوها  في الصغر بقوله: ان وراء كل سلوك إنساني دافعاً، وهذا يكون ضمن سعي الإنسان نحو فهم الكثير من القضايا،  إذ ان الكبار يسهل عليهم فهم مغزى أي مقطع كارتوني دون أي جهد كبير للاستيعاب لذا يلجأ البعض منهم الى مشاهدته.
ويبين ان “أفلام الرسوم المتحركة تثير لدى البعض ذكريات وأيام الشباب وهذا يجلب لهم السعادة من ايام ماضية كانوا فيها سعداء بقصد استحضارها مرة أخرى دون اي مسؤولية، فعندما تشاهد مسلسلاً او فيلماً كارتونياً، فذلك لا يتطلب منك كشخص كبير اتخاذ موقف او الشعور بالانفعال او الغضب، وهذا ما يستثير الفرد ويدفعه إلى المتابعة، لان الفيلم مريح ومرن وبدون مسؤولية ودون أي موقف”.
وحول متابعة الكبار والصغار لهذه الافلام الكارتونية القديمة سوية وردود الفعل يشير مطر الى ان ما يحدث في هذه الحالة هو عملية حوار بين الجيلين ، والمقارنة التي من الممكن ان تجذب الاطفال وتشجعهم على التفكير وتثير في انفسهم الكثير من الاسئلة عن زمنين مختلفين.
وتابع” ان البرامج  في الوقت الحاضر لا تركز على الفطرة الطبيعية والسليمة الموجودة في داخل الاطفال فهناك مشكلة حقيقية في الطريقة المناسبة لتقديم هذه البرامج”.
 
خيارات كثيرة
يرى الكاتب عبد الكريم الساعدي ان الذاكرة تجعل أبطال الرسوم المتحركة يتحركون في خيالك وهذا ما يجعل  البعض لا يزال يشاهد تلك الأفلام رغم أنهم لم يعودوا أطفالا، كون  فكرة الأفلام قديماً كانت مقتبسة او مأخوذة عن قصة مكتوبة  واضحة وجلية  وتبرز قيم ومفاهيم الصدق والوفاء وغيرها ، أما الآن فان التطور الذي أحدثته تكنولوجيا الأجهزة الحديثة وخاصة اللوحية منها التي باتت متاحة للجميع،ما  جعل المنتجين يتجهون إلى الإغراق في الخيال الصاخب والعنيف.
وأضاف: إن الخيارات المتاحة الآن أمام الطفل فيما يتعلق ببرامج الرسوم المتحركة أصبحت كثيرة بعكس الأجيال الماضية التي لم يكن لديها سوى القنوات المحلية ( واحدة او اثنتين) “ كما أن الأفلام الكارتونية القديمة اعتمدت في معظمها على الكتب والقصص الشعبية للكبار والصغار والتي لا تموت لانها استمدت من عيون الأدب وارتكزت عليه، لذا فإنها ما زالت تجذب الكبار اليها إلى الآن لأنها تمتلك العناصر الأدبية الغنية التي تعكس نفسية الإنسان وشخصيته.
 
بصمات واضحة
المتخصص بأدب الاطفال امجد حسن يقول: ان “أفلام الرسوم المتحركة التي شاهدناها في صغرنا تركت بصمات واضحة في شخصياتنا في الكبر، لذا فقد تجد من يوجه أبناءه لمتابعة هذه المسلسلات الكارتونية التي أحبها – ربما- ليكون الابناء نماذج من هذه الشخصيات التي اعتبرها في يوم من الايام مميزة”.
 واضاف ان “المسلسلات الكارتونية القديمة  تُنمي الفكر وتُثري الخيال وتُعلم التفكير المنطقي المنظم، وإن كان في بعضها خيال كثير، لكن هناك عبرة وقيما نستخلصها كالتعاون والقناعة والشجاعة والأخوة ونبذ العنف والدعوة إلى السلام وترك الجشع والطمع ، والمعاملة الحسنة، كما ان محدودية وسائل الإعلام والقنوات المخصصة للأطفال اسهمت في جذب الطفل إليها، وبات ينتظر الحلقة التالية بفارغ الصبر”.
وبين انه كان لهذه الرسوم المتحركة دور تربوي، وآخر إنساني، وثالث لغوي في غاية الأهمية من خلال الشخصيات الناطقة بالعربية الفصحى ، ما اسهم في تعليم اللغة العربية للأطفال بتلقائية بسبب الشخصيات التي يحفظون عباراتها عن ظهر قلب، لكن حالها اليوم اصبح يفتقد الى المضمون الجيد مهملة بذلك المضامين والقيم التي تبثها.
 
تقوية الروابط الأسرية
التربوي موسى القريشي يؤكد انه يمكن الاستعانة ببرامج الأطفال عموما وبالرسوم المتحركة على وجه الخصوص في تربية الطفل، إذ يمكن لوالديه أو مدرسيه أن يستعملوا الأصوات والعبارات الخاصة التي تستعملها الشخصيات المحبوبة عنده في الحوار، فيسهل التواصل، لأن الطفل يشكل رابطا ذهنيا بين الصوت والشخصية المقلدة، ما يخلق انطباعا إيجابيا عنده ويسهل استقبال المعلومات والنصائح لأن الطفل مستعد لتقبل أية فكرة من بطله الكارتوني.
 دون أن ننسى دور مشاركة الأطفال فقراتهم التلفازية في تقوية الروابط الأسرية لأن الطفل إلى جانب المتعة، يحس باهتمام المربي به، ما يسمح ببناء علاقة صحيحة بين الطرفين تسمح فيما بعد بالحوار البناء والنقاش المعقلن .
واضاف ان” الحنين الى مشاهدة مسلسلات الرسوم المتحركة سببه ظهور الكثير من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تدور فكرتها حول الذكريات الجميلة في ايام الطفولة لجيل ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي والحنين الى بساطة تلك الايام التي عززت في النفوس الكثير من المفاهيم والمفردات والصفات النبيلة مثل الشجاعة ومساعدة الاخرين وتبقى هذه بعض فوائد الرسوم المتحركة للكبار الذين أتمنى أن يغير أغلبهم نظرته إليها، ويسعدوا بمشاهدتها”.
.
المعنى الإنساني
ويشير الصحفي علي الخياط الى ان المعنى الإنساني في المسلسلات الكارتونية القديمة كان سببا في تخليد روايات مثل البؤساء وجين إير ومرتفعات وذرنج ، ومسلسلات كارتونية مثل ساندي بل وتوم سوير وسندباد وعلاء الدين والمصباح السحري التي ما زالت في ذاكرة من شاهدها ، إذ ان الإنسان بطبعه يميل إلى استحسان القديم.
ويبين ان الكثير من المسلسلات الكارتونية التي تبثها قنوات الاطفال الان لا تشاهد لانها سطحية ومصطنعة وعنيفة وصاخبة ولا تتميز بالجمال وتحضر فيها بكثرة شخصيات شريرة سمتها القتل ، وهذا يسهم في تكريس الأنانية والتسلط والعدوانية والعنف بشكل 
عام.
  ويقول ان “محدودية وسائل الاعلام في العقود الماضية وضعت الجميع امام خيارات محدودة جدا، لذا شكل ذلك عامل جذب للاطفال للأعمال التي كانت منقولة عن روايات عالمية قرأها الكبار وارتبطت في الوجدان فيما بعد، بفضل وجود قيم متفق عليها منذ بدء البشرية وهي: الحرية، والحب، والجمال، والعمل، والصداقة، والتكافل، والتعاون، والخير بكل مفرداته.
   ويفسر الصحفي مصطفى النعيمي حب الكبار للرسوم المتحركة في طفولتهم بأنها طرحت قضايا اهتمت بشؤون وهموم الجيل وشكلت متنفساً يخفف الالم ويفتح نوافذ الأمل الى حياة أفضل عبر نماذج مشرقة للأبطال جذبتهم قديماً بما تقدمه من شجاعة وانتصار للخير.
ويوصي بان تكون مشاهدة الطفل لهذه البرامج بحضور الوالدين بحيث يعلقان على المشاهد او الافلام  لبيان ما هو ايجابي  او سلبي  او خيالي  او واقعي، لان هذه المشاهدة الناقدة تساعد الطفل في البحث عن الافضل،  بحيث لا يكون ذا عقلية استهلاكية ما يسهم في بناء عقله في البحث عن الايجابيات.
ويؤكد ضرورة انتاج برامج موجهة للاطفال تحمل قيماً تنمي الروح والحس الوطني عن قصص الخيال العلمي التي تؤثر في عقل الطفل.