ليس سراً أن المفكرين الفلاسفة العرب لم يخرجوا على العالم بجديدٍ ليمارسوا حضورهم على ساحة الفكر العالمية، على العكس من اسهامات ومحاولات الشعراء والروائيين والسينمائيين العرب.. الخ.
ويرى المفكر والفيلسوف العربي علي حرب عدة عوائق حالت دون ذلك، اوجزها بما يلي:
أولاً العائق المنهجي: بعض الفلاسفة العرب ظنوا أن مشكلة العقل تأتي من الخارج، من السلطة السياسية أو الدينية أو الاجتماعية، وهي مشكلة غير حقيقية، إذ ان مشكلة العقل العربي هي مع العقل نفسه، والدليل على ذلك أن الحاجة الى العقل والفكر تتزايد في أوقات الأزمات والانكسارات وتصاعد التعصب السياسي والديني أكثر من أي وقت آخر، وهذا ما يجب أن يكون عليه الحال وليس العكس.
ثانياً العائق الوجودي: بمعنى القصور المعرفي لدى الفلاسفة أنفسهم، وعدم قدرتهم على كسر الوصاية على عقولهم والتحرر من الأفكار القديمة، والمضي نحو التنوير، التنوير ليس كما عرفه كانط: "أن التنوير هو الجرأة على استعمال العقل" فحسب، بل فضلا عن ذلك اخضاع العقل الى التحليل والتفكيك للوصول الى مكامن العلّة. الكثير من المفكرين العرب تعاملوا مع مشاريع الحداثة وما بعد الحداثة بعقل قاصر، فيما أن الفلسفة لا تتجلى إلا بكسر الوصاية والتحرر، ليست الوصاية الدينية والسياسية فقط بل وحتى الوصاية الفلسفية نفسها.
ثالثاً العائق التقدمي: بعض المفكرين العرب على قلتهم، يعتقدون أن علينا أن نجتاز ما اجتازته أوربا قديما ونمرُّ بالمراحل نفسها التي مرّت فيها منذ قرون حتى نتمكن من الوصول الى ما وصلته أوربا الآن، ومن هؤلاء المفكرين، أرغون الذي يقول حرفياً: "علينا أن نجتاز الحداثة شبراً شبراً" وهو ما يراه الآخرون ومنهم علي حرب غير ممكن ومستحيل، ويجعلنا دوماً متأخرين عن أوربا.
رابعا العائق الانثروبولوجي: وهو تغليب الاعتبارات الدينية والقومية على المشاغل المعرفية. فما زال البعض يتحدث عن العقل الشرقي والعقل العربي والعقل الرأسمالي... الخ وهذا لا يعيدنا فقط الى زمن ديكارت وكانط فقط بل يعيدنا الى ما قبل ابن رشد، لأن العقل لا هوية له، فالمشتغل في الفكر يجب أن ينتج معرفة خارقة لكل الحدود والحواجز.
خامساً ثنائية الاسلام والغرب: مضى على المفكرين العرب قرنان وهم يخوضون حروباً في مقارعة الغرب، والمفارقة ان الكثير من الدول العربية وجدت نفسها مؤخراً وهي تستنجد بالغرب لكي يفصلوا فيما بينهم أو ليؤلبوا بعضهم على بعض. مما لا شكّ فيه أن من حق المفكر أن يدافع عن هويته، لكن أن تصبح هويته مأزقه الأكبر هنا، عليه أن يُخضِع مفهوم الهوية للدرس والتحليل، فهذه الثنائية (الاسلام والغرب) أو (أنا والآخر) أصبحت مستهلكة ومسيئة ومضرّة لأنها تركز على الاختلاف وليس التشابه.
خامساً العائق الأصولي: نجده واضحاً عند المرزوقي وطه عبد الرحمن، إذ أراد طه عبد الرحمن أن يترجم مقولة ديكارت ترجمة أصولية حتى لو كان الثمن محو النص الأصلي، فترجم مقولة ديكارت: " أنا أفكر إذن أنا موجود" الى "انظر.. تجد" فالأصولية باختصار هي الاستئصال.
سادساً العائق النخبوي: إن النتاج الفعلي للعقل العربي اقتصر على العلوم والمعارف ولم يشمل ذلك الفلسفة والفكر، ذلك أن الفلسفة هي الانفتاح على الحياة والأفكار والمعتقدات، ولا تتغذى فقط من تاريخها، ونجد ذلك جليّاً في الفلسفة الغربية التي انفتحت على كل أصناف الحياة (السينما، الشعر، الجنون، الدين، السياسة.. الخ).
يرى علي حرب أن الأهم من ذلك كله، هو رؤية المفكرين العرب للحقيقة، التي وصفها بالمعيقة جداً، لأنهم ينظرون الى الحقيقة بوصفها القبض على الواقع والثبات والتعامل معها على أساس المماهاة فحصد العقل العربي ما حصده من فشل وقصور، ويستدل على ذلك بأنه حتى الآن لم يظهر مفكر عربي واحد خرج على العالم برؤية أو مفاهيم أو تيارات جديدة. إذا كان العالم كله ينتقل من الحداثة الى ما بعد الحداثة، ومن الحقيقة الى ما بعد الحقيقة، ومن العلمنة الى ما بعد العلمنة، مازال الفكر العربي يراوح مكانه ومقيدا بالعوائق التي تم ذكرها أعلاه.