د. صادق كاظم
منذ عام 2003 وموارد المنافذ الحدودية البالغة أكثر 15 مليار دولار سنويا لا تصل الى الحكومة سوى 10 بالمئة منها، والباقي يذهب الى المافيات والعصابات المتحكمة بها التي استغلت غياب الدولة وضعفها طيلة الفترة السابقة لتهيمن عليها ولتقيم لنفسها سلطة موازية لسلطة الدولة وتستغل مواردها لتقوية نفوذها وسلطتها، بل إنها أيضا وظفت ذلك الغياب لتقوم بأعمال وأنشطة تجارية ضاعفت من خلالها أرباحها ومواردها، فضلا عن عمليات التهريب لمختلف المواد الممنوعة والمضرة بالبلاد وشعبها. عدد المنافذ الحدودية على امتداد حدود البلاد مع الدول الست المحيطة بها يبلغ (22) منفذا بريا وبحريا، عدا المنافذ الجوية المتمثلة بالمطارات، ويقدر حجم الخسائر من عمليات الفساد والتهريب التي جرت في تلك المنافذ بنحو (450) مليار دولار وهي مبالغ طائلة كانت تكفي لإقامة مئات المشاريع التي تحتاجها البلاد وفي مختلف القطاعات الاقتصادية والخدمية، بل وأن مدنا تقع هذه المنافذ والموانئ فيها لم تستلم دولارا واحدا منها، والمؤسف أنه طيلة السنوات السابقة ظلت قضية المنافذ الحدودية برغم المخالفات وأعمال الفساد التي كانت تحدث مسكوتا عنها، ولم يتجرأ أي مسؤول عراقي على فتح ملفات الفساد ومعاقبة المتورطين فيها وتقليم أظافر الفاسدين الذين يهيمنون على تلك المنافذ ويجيرون أموالها لحسابهم.
كان بقاء تلك المنافذ خارج سلطة الدولة وسيادتها عامل إضعاف لها وتشجيعا للفساد، خصوصا أن تلك الموارد غير الشرعية كانت عصابات المافيا توظفها لشراء الأسلحة والسيطرة على أراضي الدولة وبيعها لحسابها الخاص، متحدية سلطة الدولة وسيادتها، فضلا عن القيام بأعمال ومشاريع وأنشطة تجارية مختلفة لغسيل هذه الأموال وإعادة تدويرها اقتصاديا لصالحها وتبييضها مجددا.
كما أن هذا الوضع كان ينقل رسالة سلبية الى المواطنين عن غياب الدولة وضعفها، وينقل انطباعا الى العالم الخارجي بأن الحكومات في العراق عاجزة عن مواجهة الفساد ومحاربته، مما كان يؤثر سلبا في تصنيف البلاد ضمن قوائم الشفافية التي نحتل فيها مراكز متقدمة.
القرارات والتحركات الحكومية الأخيرة المدعومة بنشر قوات عسكرية لتأمين تلك المنافذ وحمايتها تعد ضرورية ومهمة، لكنها جاءت متأخرة، وسيحتاج الأمر الى وقت والى مزيد من الإجراءات قبل أن تسترد الدولة سلطتها على تلك المنافذ بشكل كامل، وهو قرار من شأنه أن يجعل من واردات تلك المنافذ تعود الى ميزانية الدولة وتعزز به من مواردها، خصوصا أن البلاد تمر بضائقة مالية صعبة نتيجة لوباء كورونا وتراجع أسعار النفط.
بالتأكيد أن القرار بإخضاع تلك المنافذ لسلطة الدولة ونشر قوات أمنية فيها لايعد أمرا كافيا، إذ إنَّ تلك المافيات التي تعد تلك المنافذ كنزا ثمينا لها لن تقبل بالهزيمة بسهولة، فالأمر بحاجة الى تحركات قضائية لملاحقة المتورطين بأعمال الفساد تلك التي تقترن بادخال البضائع المهربة وغير المطابقة للمواصفات المطلوبة، فضلا عن أنها كانت جزءا من عملية إغراق السوق العراقية بالبضائع من مختلف المناشئ، وضرب الصناعة والاقتصاد الوطني وهي الخطوة الأهم التي ينتظرها الشارع للتأكيد على عزم القرار الحكومي وإرادته بإنهاء هذا الملف الخطير الذي يتسبب باستنزاف الموارد الحكومية وإنعاش عصابات الفساد ومافياتها التي ظلت تتطفل على جسد الدولة العراقية منذ أكثر من 17 عاما.