القوافي المِلاح

ثقافة 2019/01/02
...

حسين الصدر

- 1 -
للشعر نغماته العذبة ، يترنم بها عشّاق الفنّ والأدب ، ويطربون لايقاعاتها المؤثرة التي تتجاوز الآذان الى القلوب بلا استئذان..!!

- 2 -
وليس كلُّ الشعراء بقادرٍ على أنْ يصل الى تلك المرحلة العالية من الابداع والتصوير ، والابتكار في التعبير،واقتناص المعاني الفريدة ،
انهم يتفاوتون في البراعات قوةً وضعفاً
وهذا أمر طبيعي ،وظاهرة مشهودة في كل الطبقات،وعلى مدى العصور ..
فهناك الشاعر العملاق الذي لا يُشقُّ له غُبار ...
وهناك الشاعر المتوفر على قُدرة فنيّة ملحوظة
وهناك مَنْ هو دُونَ ذلك، حتى تصل النوبة الى من يُحسن رصف الألفاظ ، ولا يخل بالاوزان ولكنه لا يحرّك الضمير والوجدان ولا يهز أوتار القلوب ..
انّ الشعر كالطعام فمنه اللذيذ اللذيذ الذي لا يُملّ ،
ومنه المقبول الذي لا يمتاز بطعمٍ فريد أو نكهة خاصة .
ومنه الذي تنفر منه النفوس ...
كل تلك الدرجات المتفاوته معروفة مشهودة لا تحتاج الى مزيد بيان أو ايضاح .

- 3 -
وقد يستطيع الشاعر من خلال بيتَيْن لا أكثر أنْيحصل على وسام البراعة، ويثبت انه المقدّم في هذه الصناعة ..!!
فالعبرة بالكيّف لا بالكمّ – كما يقولون - .

- 4 -
ومن أمثلة ذلك :
ما قاله الشاعر علاء الدين المتوفى سنة 716 هجرية في المديح:
قال :
مَنْ زار بَابَكَ لمْ تبرحْ جوارحُه
تروي محاسنَ ما أوليتَ مِنْ مِنَنِ
فالعينُ عن قُرَّةٍ والكفُّ عن صِلةٍ
والقلبُ عن جابِرٍ والأذنُ عن حَسَنِ
انّ هذين البيتين يُغنيان عن قصيدة طويلة، لابل عن ملحمة شعرية كاملة.
فالممدوح رجل تجمعّت فيه سمات المكارم كلها
الجمال ،
والجود ،
والرقة والانسانية العالية ،
والمنطق والأدب الرفيع .
وبالفعل فانّ هذه الخصال جديرة بان تقفز بصاحبها الى روابي المجد والشموخ .

انّ الجمال هنا جمال للجسد والروح، وليس جمالاً جسديا فقط، وهذا هو المهم .
انّ العيون التي تكتحل بطلعته يغمرها السنا والضياء...
وتنعم بالحسن والبهاء !!
ويملأ كَفَهُ مِنْ إحسانه ومعروفِهِ، وَصِلِتِه ولا تَبْقى يدُه خاليةً من النوال ...
والسخيّ – كما هو معلوم – محبوب في الارض والسماء .
ويحس زوّارُه بأنَّهم أمام انسان فيّاض المشاعر ، رقيق القلب ، لا يهدأ له بال الاّ اذا جبر القلب الكسير،وأنعشه وأبعد عنه تلك الشجون المؤرقة..
وهو الى ذلك ممن يُحسن فنّ الكلام ، بحيث تنساب كلماته العذبة الى الاذن فتختزن منها الروائع التي تنقلها وترويها للناس اعجابا وتثمينا ...
اننا أمام المديح في ثوب من البلاغة والفصاحة والبراعة والملاحة حملنا على الاعتقاد بان الممدوح من عيون الرجال .. ومن ذوي المناقب الفريدة التي تُذكر فتُشكر .

- 5 -
واذا كان الشائع على الألسن انّ :
(اعذب الشعر أكذبه) فنحن أمام بيتين ناطقيْن بنبرة تشي بالصدق والواقعية، لا الكذب والانتهازية،
وهنا تكمن الروعة .