قصيدة النَّثر.. ما بين الانتماء للشعر وفوضى التجديد

ثقافة 2019/01/03
...


 
عدوية الهلالي
في حوار معه ، قال الشاعر اديب كمال الدين ان اغلب مايكتب من قصيدة النثر يعاني من الهذيان ، فهيمنة قصيدة النثر على الساحة الشعرية مؤكدة بسبب السيل الجارف من القصائد والمجاميع الشعرية التي تكتب وتنشر في مختلف البلدان العربية ، وهذه الهيمنة الشديدة المتحققة في الوقت الحاضر تؤكد الهيمنة المستقبلية بالطبع ، اضافة الى ماتمتلكه قصيدة النثرمن اسباب فنية تعينها بقوة على البقاء حية كالتحرر من الوزن والقافية ، والمرونة الومضية ، والتداخل مع الأجناس الاخرى ، فهل يرى الشعراء الآخرون الرأي ذاته ؟. 
 انقطاع وعزلة 
يعترض الشاعر الدكتور رعد البصري على هيمنة قصيدة النثر على الساحة الشعرية فعلى الرغم من تجنيس النثر على انه شعر الا انه ليس شعرا.. بل ان مايسمى (شعر نثر) – حسب قول الناقد الراحل الدكتور عناد غزوان – انما هو جنس أدبي كالقصة والرواية والشعر ، أما استسهال العديدين و( العديدات) لهذا الجنس فانما ياتي لخوض غمار تجربة يحلو لهم دخولها فحسب ،والا ماذا نسمي ( بنطلوناتي التي أعلقها في الصباح ، لا أجدها في المساء ) ..ويتساءل الدكتور البصري عن معنى هذه العبارات باحثا عن مبرر واحد يدعوه الى ترك موسيقى الشعر ومتانة الفاظه وجزالتها من أجل هذا الكلام ، فعلى الشاعر – في رأيه- ان يكتب الشعر العمودي ثم الشعر الحر ومن ثم ينتقل الى جنس ( شعر نثر) اذا اراد ، مشيرا الى تشبيه أحد النقاد لقصيدة النثر بانها (خنثى) ، فلاهي شعر ولاهي نثر !!
أما الشاعر منذر عبد الحر، فعلى الرغم من اصداره حتى الآن عشر مجاميع شعرية تنتمي كلها لتجربة قصيدة النثر الا انه يؤكد ضبابية الغد ، ذلك ان الشعر برمته خطر ، كما ان الواقع والتطورات السريعة في العلم والتقنيات جعل التأمل –الذي هو اساس مهم من اساسيات الشعر – صعبا ، او غير موجود ، كما جعل المتوالدون من متعاطي الشعر يلهثون وراء التقاط صورة أو فكرة سريعة او رؤية عابرة ليقدموها على انها قصيدة ، وبالتحديد ، قصيدة نثر ، ذلك انها خالية من الوزن والقافية وانها تنشد الحداثة ..ويعترف عبد الحر بخوفه من الفهم الخاطيء لقصيدة النثر بسبب الانقطاع والعزلة بين الجيل الجديد والأجيال السابقة مايعمق هذا الفهم ، فلكل تجربة أسس وتاريخ ورموز واصوات ، كما ان لها ريادة دفع اصحابها ثمنا ليحققوا جذوة صغيرة ، اصبحت نارا عالية يراها القاصي والداني ، مؤكدا على ان قصيدة التفعيلة التي اختطها الرواد بدر شاكر السياب ونازك الملائكة والبياتي ، ومن عاصرهم ، لم يمض عليها كثيرا ، ولم تبلغ المائة عام ومازالت في آفاقها مناطق عذراء لم يتم اكتشافها بعد ، ولكن قبل أن تكمل مشروعها باغتتها قصيدة النثر وبدأت تنتشر بسرعة لاقترابها من خطاب العصر وابتعادها عن الاطر التقليدية خصوصا بعد ان صار الاكاديميون يتعاملون معها كحقيقة واقعة ، وليست ضربا من العبث او محاولة بطريقة ما للاساءة الى الشعر العربي كما يرى بعض شعراء العمود والنقاد والاكاديميين ..وينتقد عبد الحر نزول بعض الشعراء بمفهوم النثر الى مستوى سطحي فهم يكتبون خواطر وجدانية على اساس انها قصائد وهذه جناية حقيقية على تجربة النثر التي لايتوقع ان يكون المستقبل
 لها ..
 
 مطلوب مراجعة 
من جهتها ، تعتبر الشاعرة أمل الخفاجي القصيدة النثرية من مستجدات العصر لأن اللغة العربية حسب تصنيف (طه حسين )هي( شعر ونثر وقرآن ) ، وكلنا نعرف أن الشعر له مواصفات يجب الالتزام بها مثل الوزن والقافية والبحور والتفعيلات، ولكن وبسبب الحداثة التي طرأت على الأدب استحدثت( القصيدة النثرية) او النص النثري - كما يحلو لها تسميته - ، ومن الواجب أن تتضمن هذه القصيدة بعض الشروط كي لا تخرج عن نمط القصيدة وأهم شروطها هو الإيقاع الموسيقي الداخلي للنص كذلك سلامة اللغة وترابط مضمون النص اي وحدة النص وما تحمله من خيال وشاعرية. وتاسف الخفاجي لأن العديد ممن يكتب الخاطرة النثرية أو أي كلام عابر يعتبر نفسه شاعراّ وهذا مؤشر غير جيد بحق النص النثري ، لكنها ومن خلال تعايشها مع الوسط الأدبي ، ترى أن الأدب والنص النثري مازالا بخير لان بالمقابل يوجد عدد كبير من الأدباء والنقاد الذين يترصدون للنص النثري من أجل تقويمه والحفاظ عليه من الانحدار اذ توجد أسماء لامعه تعمل على النهوض بالوضع الأدبي من خلال المؤسسات والمنتديات الثقافية والتجمعات الأسبوعية لها من أجل طرح المواضيع الأدبية ومناقشتها بشكل جدي يعتمد على رؤيا أدبية
 بحتة . 
اما الشاعرة الدكتورة سهام جبار فترى أن الفوضى منتشرة حالياً في اطار كتابة قصيدة النثر وأنَّ ما يُكتب باسمها لم تتم مراجعته على وفق ضوابط الابداع واشتراطاته، ولم يُدركُ جيداً نوع هذه القصيدة وامكاناتها التي يُمكن أن تتعدد الى ما لا نهاية في ضوء قدراتها الشكلية والدلالية والتركيبية المتعددة، مطالبة بضرورة حدوث هذه المراجعة بتمرّس أدبي ونقدي لا بعشوائية، ليتم فيها فرز ما تحقّق ابداعياً وتحديده في ضوء تنوّع بيئات قصيدة النثر ومراحلها التاريخية المتعدّدة في العالم العربي وإن النتائج الدراسية التي يمكن أن تُستحصل من هكذا مراجعة قد تضيء في الأقل طرائق كتابة هذه القصيدة في العالم العربي. 
لو تأمّلنا المكتوب حالياً باسم هذه القصيدة لوجدنا تجاوزاً على شرط الحرية في كتابتها مثلاً، هذا الشرط الذي لا يعني التفريط بالمستوى اللائق للكتابة، فلا يظنّ العاجزون عن الكتابة على نحو صحيح أن الأمر متاح لهم لتصديق (الخواطر والنكت والترهات والتفوهات اليومية الدارجة وما الى ذلك) على أنه قصيدة نثر بداعي الحرية والتخلّص من الضوابط. لقد حدث أن شرط الحرية هذا جعل بعض مستغلي هذه القصيدة، لدواعي الموضوع، يقومون بقتل القصيدة ومسخ كيانها بما يضاهي القتل الشائع في الحياة المعاصرة، فجاء القتل الشرهُ هذا بالادعاء والتسطيح والغاء اللغة بجعل القصيدة أداءً حركياً فقط لا كتابة ، فضلا عن أثر التعامل مع وسائل التواصل الالكترونية وسطوة الانترنت وانتشار السرعة والتهافت في النشر وضعف الصلات مع الكتاب والترويج السطحي الذي غيّب القيمة الفعلية للكتابة، مما دفع الى مزيد من التشتت وفقدان التركيز في ادراك الماهيات والقيم ولاسيما قيم
 الابداع..