أصبح تراكم النفايات وتكاثر الحشرات والقوارض عليها في الأحياء الفقيرة والمناطق الشعبية مشهداً مألوفاً للعين، لكنْ في الأعوام المنصرمة أصبح هذا الأمر شائعاً في أغلب الشوارع والمناطق السكنيَّة في بغداد والمحافظات وفي المناطق التجارية والحيوية منها، فأكوام النفايات تنتشر بشكل عشوائي على الأرصفة وفي الجزرات الوسطية مع عدم الاكتراث من قبل المواطن وعمال النظافة لتجميعها في الأماكن المخصصة.
إزعاج
منزل الاربعينية ساهرة مجيد يطل على احدى الجزرات الوسطية في شارع حيوي وتجاري من شوارع العاصمة بغداد، في السابق كان هذا الموقع يسعدها هي واسرتها، اما اليوم فقد اصبح مصدر ازعاج وقلق، تقول ساهرة: «مع مرور الايام بدأت المناظر الطبيعية تنحسر من شارعنا وتحل محلها النفايات المختلفة من علب بلاستيكية ومواد غذائية وقطع حديد وغيرها، إذ إنَّ تأخر رفعها من البيوت دفع الناس الى التخلص منها بشكل عشوائي، وهذا أدى الى تشويه منظر الشارع والجزرة الوسطية التي كانت حديقة صغيرة لكنها أهملتْ وتحولتْ الى مكبٍ للنفايات ومرتعٍ للحشرات والحيوانات السائبة التي تنشر الأمراض».
وبينت مجيد «مخاوفها من تراكم النفايات خصوصاً مع انتشار جائحة كورونا، ولذلك هي تقوم بتعقيم المنزل ورش حديقتها الصغيرة بالمبيدات خوفاً من الحشرات والأمراض، وتشير الى أنَّ «خوفها بدأ يزداد أكثر بسبب تأخر رفع الأزبال وتناثرها في الشارع في أوقات كثيرة».
وأضافت: «بسبب حرق النفايات التي يقوم بها سكان المنطقة او اصحاب المحال خوفاً من الامراض، يصل دخان هذه الحرائق الى مساحات واسعة ليشمل مناطق اخرى وتنبعث غازات تسبب الاختناق وصعوبة في التنفس خصوصاً للمرضى من كبار السن والاطفال».
تحديات
مدير عام العلاقات والاعلام في امانة بغداد حكيم عبد الزهرة بين : ان ملف النفايات يواجه تحديات جديدة بسبب انعدام التخصيص المالي لرفعها، ففي السابق كانت لدينا امكانية لنقل ما يقارب 8000 طن من النفايات وايداعها في مناطق الطمر الصحي الواقعة في منطقة النباعي خارج بغداد، لكن الازمة الاقتصادية التي اثرت في البلاد مؤخراً وعدم اقرار الموازنة كان لهما تأثير سلبي في مختلف القطاعات الحيوية ومن بينها الامانة، لذلك اعتمدنا على ميزانيات التشغيل التي توقفت هي الاخرى لاحقا ، ثم حاولنا ايجاد بدائل اخرى كالاعتماد على ايجارات المحال والمولات، لكنها تأثرت بسبب جائحة كورونا والتوقف الاجباري للانشطة لاشهر متواصلة، وجميع هذه المشكلات لا بد انها ستنعكس سلباً على اداء الخدمات مستقبلاً.
الغازات
تشير الابحاث والدراسات العلمية الى ان النفايات الصناعية الصلبة مثل مخلفات الأطعمة وقشور الفاكهة والخضراوات تعمل على تجميع الحشرات التي تنقل السموم والأمراض ومن الممكن انتقالها إلى الأماكن المزدحمة بالسكان بالإضافة إلى تلوث الجو بالغازات المنطلقة منها أو الدخان الناتج عن احتراقها، ومن المعروف ان ذلك الدخان يسبب مشكلات في الجهاز التنفسي قد تصل احيانا الى الربو وفق الدراسات الطبية وكذلك امكانية الاصابة بالسرطان اذا ما تم التعرض للدخان لفترات طويلة، فضلاً عن امكانية تضرر جهاز المناعة وعرقلة عملية تزويد خلايا الجسم بالاوكسجين ، لذلك تقوم الدول المتطورة بانشاء معامل لحرق وردم النفايات كي لا تسمح للافراد بحرقها بشكل عشوائي، وبالتالي التسبب بكوارث صحية كبيرة.
بئر نفطيَّة
يشبه الباحث بالشؤون الاقتصادية الدكتور ليث علي النفايات المتراكمة ببئر نفطية كبيرة جداً لما تحتوي عليه من ثروات هائلة مهدورة، ولو تم استثمارها بشكل صحيح لكانت مورداً اقتصادياً كبيراً، فعلى سبيل المثال هناك دول كبرى تهتم بالنفايات وتوليها اهتماماً خاصاً ومنها الصين التي تستوردها من بريطانيا للاستفادة منها في مختلف المشاريع، في حين يحصل هدر كبير وحقيقي لها في البلاد، كما اشارت الدراسات الى ان الفرد العراقي يستهلك سبعة اضعاف من النفايات مقارنة باقرانه في دول العالم المختلفة، علماً ان نوعيتها ثابتة ومستقرة على عكس الدول الاخرى التي تتنوع بين بلاستيك وورق وحديد، في حين الفرد العراقي نفاياته تتوزع بين مواد غذائية وورقية وحديد وبلاستيك وزجاج.
مخلفات طبيَّة
الدكتور علي لفت الى أن من اخطر انواع النفايات هي الطبية، ما يدفع دول العالم الى دفنها لمسافة تصل الى 180متراً، لكونها قد تحتوي على الاشعاعات النووية خصوصا المستخدمة في علاجات الامراض السرطانية، لذلك من الضروري التخلص منها بشكل صحيح وآمن.
وتشدد الدراسات والتقارير العلمية على ضرورة التخلص من النفايات بشكل صحيح، لخطورتها على صحة الانسان وامكانية انتقال الامراض من خلالها، فالبروتوكول المعمول به في دول العالم المتطورة للتخلص منها هو اخضاعها للتعقيم، ومن ثم التخلص منها اما بالدفن او الحرق بعيداً عن الناس، واليوم تزداد خطورة هذه النفايات مع انتشار جائحة كورونا، اذ
يتم رمي الكمامات والبدلات الوقائية وغيرها من المواد المستخدمة في الشارع، ما قد يتسبب بنقل
العدوى.
اقتصاد مربح
ويبين الدكتور ليث علي ان تدوير النفايات ومعالجتها والاستفادة منها ليس بالامر الصعب، فهذا الامر من شأنه ان يدر على البلد ارباحاً طائلة، اذ من الممكن الاستفادة من كميات الورق التي يعثر عليها وارسالها الى المعامل الخاصة ، ومن التجارب الناجحة في هذا المجال ما تقوم به الولايات المتحدة الاميركية فهي تستفيد بشكل كبير من كميات الورق الضخمة التي تجدها في النفايات، اذ يقوم العمال المختصون بهذا المجال باستخدام مسارات هوائية كبيرة لفرش المخلفات وفصل الورق عن الموجودات الاخرى.
مشيراً الى وجود الحديد ايضا بكثرة في النفايات المحلية وذلك عن طريق تواجده في هياكل السيارات، فضلا عن البلاستيك الموجود في اغلب اجهزة التبريد لذلك على الجهات ذات العلاقة أن تهتم بهذا الموضوع بشكل اكبر لتحقيق الفائدة والربح الاقتصادي.
معامل متطورة
ويبين الباحث بالشؤون الاقتصادية : في اغلب دول العالم التي
تولي البيئة اهتماماً هناك معامل متطورة ذات تكنولوجيا حديثة، واذا ما اردنا تطبيق هذه التجارب الناجحة فكل ما نحتاج اليه
معملاً لتدوير النفايات في كل محافظة من محافظات البلاد، فضلاً عن ضرورة تفعيل تجربة فرز النفايات لتسهيل مهمة تدويرها
لان اغلب دول العالم المتطورة تتبع هذه الآلية، اذ يجري فرزها داخل البيوت، وذلك بتخصيص اكياس لكل نوع منها كي لا تختلط مع بعضها.