د. سعد العبيدي
مفهوم هيبة الدولة يتأسس على عملية التوجه منها والنظر اليها والتعامل مع وجودها في مشاعر ومواقف يمكن صياغة مخرجاتها تحت عنوان الهيبة، التي تستطيع من خلالها التأثير في السلوك العام للأبناء والأداء الذي يديم استمرارها كدولة.
مفهوم نفسي لا يخلو من التعقيد في تركيبته أو في تكوينه، الذي تتوزع في مجاله المسؤولية بشكل أساس بين الدولة (أعني القائمين عليها مؤسسات وجهات ومناهج ووسائل إعلام) وبين الأبناء أفراداً وجماعات (عشائر وأحزابا، ومرجعيات) في تفاعل تنتج محصلته هيبة الدولة. وعلى هذا لو تتبعنا واقع الهيبة في دولتنا، ومن دون قياس مسبق، سنرى المستوى يقترب من السلب، لأن العشائر مثلاً قد توجهت الى السلاح واستخدمته خارج حدود القوانين التي سنتها الدولة لحل مشاكلها مع العشائر الأخرى، وبالمحصلة أسهمت في الأخذ من جرف الهيبة بعد أن جعلت المؤسسات المعنية بالدولة عاجزة عن التعامل الرادع معها في ساحة الخطأ الذي اتسعت رقعته. ولأن الأحزاب السياسية التي يفترض أن تكون مساعيها باتجاه تعزيز وتقوية هيبة الدولة، أساء بعضها الى الدولة، منذ الأيام الأولى التي تم الشروع فيها لإعادة بناء الدولة بعد عام ٢٠٠٣، لما تسابقت في مضمار الاستحواذ على أملاك الدولة، وتدافع البعض من المنتمين اليها في سرقة الدولة والبعض الآخر في خيانتها والاستقواء بالأجنبي عليها، فصارت لها حصة في تقويض الهيبة بدلاً من أن تسهم في تعزيزها. ولأن أجهزة الدولة الطرف الأساس في معادلة الهيبة، كانت لها حصة ليست قليلة في مسألة التقويض، إذ أن فساد بعض المنتسبين الى تلك المؤسسات ومدرائها وتقصير العاملين في شعبها وأقسامها وتدني مستويات الخدمات أضر كثيراً بسمعة الدولة وطال الهيبة حد المس في وجودها.
أما الأفراد وسلوكهم ذو الصلة بموضوع الهيبة فهو أكثر تعقيداً إذ يعتمد على تكوينهم وثقافتهم وسبل تعامل الدولة معهم التي تشكل في المحصلة مواقفهم منها وردود أفعالهم اتجاهها التي تنعكس سلباً أو إيجاباً على الهيبة، ولنا في سلوك البعض من الشباب الذين أغلقوا الشارع في الأسبوع الماضي، وقاموا بالاعتداء على ضابط في الشرطة حاول منعهم من الإغلاق مثال على الدور السلبي للفرد في عملية التفاعل الخاصة بإنتاج الهيبة. إذ كان الإغلاق تعويقاً لا ينم عن فهم لهيبة الدولة، وكانت ردود الأفعال في الموقف انفعالية ومستوى الوعي متدنياً، والألفاظ عدائية، تؤشر مساً مباشراً لهيبة الدولة، وكان الاعتداء السافر والاهانة العمدية لضابط في الواجب، ومحاولة انتزاع سلاحه الذي هو سلاح الدولة، تدمير لهيبة الدولة.
إن الذي جرى في الشارع يدعم الاستنتاج الوارد في البداية من أن مستويات الهيبة في دولتنا تقترب من السلب... مستويات تقيّم من النواحي النفسية بأنها اقتربت من حافات الخطر التي تستدعي الانتباه، قبل انفلات السيطرة التي قد تنهي معنى الهيبة.