لـكـل أمّـــة دواعشـهــا

آراء 2020/08/18
...

راسم المرواني

منذ سنين وأنا أحسب أن الإرهاب الــ (داعشي) محض صناعة (صهيو – أميركية) أنتجتها مختبرات الــ (C.I.A)، خصوصاً بعد أن تنامى إلى مسمعي اتهام الرئيس الأميركي (ترامب) لسابقه الرئيس الأميركي (أوباما)، وهيلاري كلنتون بأنهما من أسسا عصابات داعش، ومكّنها من المنطقة، أثناء حملته الانتخابية في ولاية فلوريدا.
والحقيقة، أن فهمي هذا كان (ناقصاً) وليس دقيقاً، وليس مبتنياً على اطلاع واسع بحركة التاريخ ومسيرة الأحداث، ولم يأخذ بنظر الاعتبار المحفوظات (الببغاوية) المكتنزة في كتب التراث، والراسخة في الأذهان والذاكرة، وما ترتب عليها من آثار بقيت ناشطة في وعي بعض الأفراد والجماعات، والتي جعلت البعض (يفتخر) بتاريخ أجداده وأسلافه الدموي، ولو على نطاق معين، في زمان ومكان معينين.
لقد تبيّن لي فيما بعد أن (داعش) هي جنين طبيعي لتلاقح نطفة (التراث المزيف) مع بويضة الهمجية والثقافة التي كانت تمنح أصحابها صلاحية (وأد البنات) وطمرهن تحت التراب وهن ما زلن على قيد الحياة، وليس لأميركا وإسرائيل يد في (صناعة) هذه العصابات، وإنما كانت اليد (الصهيو – أميركية) الشرارة أو القدحة التي منها اشتعلت جذوة هذه العصابات المكتنزة بثقافة تغييب ومصادرة الآخر، ثم تحولت هذه اليد إلى راعية وحاضنة بما تمتلكه من قوة المال والسلطة والقدرة على الإشعال والتأثير.
وبعبارة أدق، فإن كل ما قامت به الدوائر (الصهيو – أميركية) هو عملية تنشيط للذاكرة (التراثية - الاسلاموية)، أو استعادة المخبوء والعلني في كتب التراث (المقدسة) التي تكتنز بصور وحوادث القتل والذبح والإحراق والإبادة الجماعية وأكل لحوم الموتى من الأعداء، من منطلق باب (سد الذرائع)، أو محاربة الكفر والشرك والردة والزندقة، والتي يراد منها – بشكل حقيقي- مزيداً من سيطرة الحاكمين، وتشبثهم، وتمكينهم، وإثرائهم، وتوسعهم على حساب القيم االدينية الإنسانية السامية (الحقيقية).
لقد كان لـ "الدين السياسي" أثره في إذكاء روح التسلط والتوسع والجريمة بعد أن أخذ (الرواة) ووعّاظ السلاطين يبررون لجرائم الحكّام، عبر إلصاق كل ما يمكن أن يستهجنه المجتمع برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وصحابته الأخيار (رضي الله عنهم)، لكي يخلقوا مسوغاً (شرعياً) للحاكمين في ما يفعلونه، ويمنحونهم الذريعة في خرق إهاب الشريعة.
وليس من الصعب اختلاق أو وضع حديث مزيف بــ (عنعنة) متقنة تتناسب مع (مدفوعات) الحكام، ليتحول هذا الحديث إلى (سنّة) تبرر للسلطة فعل ما تشتهيه ولو كانت مخالفة لكتاب الله وسيرة الصالحين الأوائل، وهذا ما أنتج عبادة جديدة اسمها (عبادة السند) التي جاءت عبر ما يسمى بــ (علم الرجال).
 
الإرهاب تحت يافطة الدين
إن ما يسمى بــ (الإرهاب الديني) ليس مقتصراً على شريعة معينة أو أمة محددة، فقد أنتج لنا التاريخ نماذج كثيرة من (الإبادة) تحت مسميات الدين والتدين، في جميع الشرائع الدينية السماوية والأرضية، وليس من الصعب التحري عن المجازر التي ارتكبتها (الفتوحات الإسلامية) التي لا علاقة لها بأصل الدين والشريعة، أو الحروب الصليبية السياسية، أو الجرائم التي ارتكبتها عصابات الــ (كوكلوكس كلان) المسيحية المتطرفة، أو الانتهاكات اللاانسانية التي قامت بها عصابات (البالماخ) و (الشتيرن) و (الهاغاناه) و (الكاخ) و (البالماخ) اليهودية الإجرامية، ومنها ما تفعله عصابات (داعش) اللصيقة بالشريعة المحمدية في وقتنا الحالي.
إن الغاية من إشعال جذوة (الإرهاب الديني الداعشي) إنما هي مشروع (سياسي – اقتصادي – فكري) يراد منه استغلال التطرف في خلق نوع من أنواع الفوضى الخلاقة في المنطقة، وإشغال المجتمع بمآسيه ليسهل معها:
• السيطرة على الثروات والحصول على مزيد من المغانم والمكاسب والامتيازات 
• إعطاء المسوغ الأممي للتدخل في المنطقة عبر ذريعة (محاربة الإرهاب) 
• إعطاء الصورة المعتمة والسلبية عن الشريعة المحمدية، خصوصاً وأن كل ما يفعله الدواعش من جرائم وموبقات تجد لها ما يبررها في كتب التراث والسيرة. 
إن ما ارتكبته عصابات داعش من جرائم ضد الإنسانية، كانت سبباً مباشراً لبزوغ تيارات متمردة داخل مجتمعنا، يعزز ذلك وجود طبقة من الفاسدين في مختلف مجالات الحياة، ما سبب انزياحاً لدى الوعي المجتمعي جعله يلصق تهمة الإرهاب بكل ما يمت للدين بصلة، متناسياً حقيقة أن الإرهاب ليس صناعة دينية تنتجها مصانع الدين والتدين، وإنما الإرهاب نتاج أفكار وسلوكيات وآيديولوجيات وأحزاب لا دينية أو ملحدة أو حتى معادية للدين والتدين. 
إن إلصاق تهمة الإرهاب بالمؤسسة الدينية (حصراً) يعد ضرباً من ضروب الخطأ الذي بدأ يشيع في مجتمعنا، وأخذ مأخذه من توجهات الأفراد، بل استطاعت التيارات العلمانية أن تستغل (الصمت التاريخي) لتضفي صفة الإرهاب على الدين والتدين، كفعل احترازي يخدم مشروعها المنقسم بين ثقافة الــ (Non – religious) والــ (Anti – religious). ففي دراسة مثيرة للاهتمام، قام بها (نفيد شيخ) أستاذ العلاقات الدولية والمحاضر بجامعة (كيل) البريطانية بعنوان: (عداد القتلى/ دراسة إحصائية للعنف السياسي في حضارات العالم)، التي حصر من خلالها (276) حدثاً عنيفًا ضخمًا خلال الفترة الزمنية الممتدة منذ (العام الأول الميلادي) ولغاية عام (1987)، بين من خلالها أن الحضارة (المسيحية) هي (الأولى) والأكبر في حصاد أرواح البشر، وتبتعها جرائم كبرى قامت بها عديد الدول التي تتدعي التحضّر والحداثة. ففي فرنسا وحدها، وفي ما يسمى بمذبحة فيندي (Vendée genocide)، قامت الحكومة (العلمانية) الفرنسية عام (1793) بإعدام أكثر من (6000) من الفلاحين (بنسائهم وشيوخهم وأطفالهم) إبان تظاهرتهم الناتجة عن (الجوع)، إذ قامت الحكومة بإغراق أكثر من (3000) امرأة في المياه، ودهس آلاف الأطفال الرضع تحت حوافر الخيول، فضلا عن حرق القرى والمساكن والمزارع، وبحلول عام (1796) وصل إجمالي عدد القتلى طبقاً لبعض الإحصائيات إلى نحو (500,000) إنسان تم حصد رؤوسهم بمختلف 
الوسائل. ورغم عدم شهرة هذا الحدث إلا أن أستاذ التاريخ البريطاني ألان فورست يقول: (حتى الآن يتذكر الغرب هذه المذابح كصراع بين الفلاحين والكاثوليك من جهة، والجمهوريين والملاحدة من الجهة الأخرى). وبالنتيجة، فإن الجرائم ضد الانسانية، والابادة الجماعية ليست مختصةً بدين معين أو فكر معين، وليست منحصرةً في جماعة أو حزب أو فئة أو أمة محددة، بل يبدو واضحاً أن (لكل أمة دواعشها).