أزمة (كوفيد – 19) تقوض الاستثمار الآمن والمستدام

اقتصادية 2020/08/24
...

ترجمة: شيماء ميران
مع بداية العام 2020 تفاءلت الشركات والمستثمرون بأنه سيكون هناك تعزيز لإنفاق رؤوس الأموال في قطاع الطاقة، ومع توفر مصادر طاقة متجددة وخيارات شبكات كهرباء مرنة يبدو أنَّ تخزينها معدٌ للاستفادة منه، لكنَّ الأزمة الاقتصادية التي تكشّفت بانتشار جائحة (كوفيد – 19) قلبت كل التوقعات.يُظهر التحليل السنوي لوكالة الطاقة الدولية للاستثمار والتمويل في جميع مفاصل قطاع الطاقة الذي اُصدر مؤخراً صورة واقعيَّة لمخاطر الاستثمار التي تُزيد من تحديات الأمن والاستدامة، والتي كانت محور مناقشات قادة قطاع الطاقة العالمي من حكومات وصناعة في آذار الماضي.
وبحسب التقرير الجديد، فمن المتوقع انخفاض الاستثمار العالمي هذا العام الى ثمانين مليار دولار تقريباً، ما يعني تراجع الإنفاق الى ما كان عليه قبل عقدٍ مضى. وبينما أظهرت الأزمة مدى اعتماد المجتمعات الحديثة على الكهرباء، لكنها قلصت تدفق رؤوس الأموال فيه.
تختلف القيود المفروضة على الاستثمار اليوم حسب البلد أو التكنولوجيا، لكنها تأتي من اتجاهين أولهما تراجع إيرادات الشركات نظراً لضعف الطلب وانخفاض الأسعار وتزايد عدم السداد أو تأجيل المدفوعات.
وتكون الشركات الأكثر عرضة للخطر هي المنتجة لكهرباء تعتمد على الوقود الاحفوري وعلى إيرادات أسواق الجملة، مستفيدة من الأسعار المُتحفظة حالياً، لكنَّ ذلك يكون محدود المدة والنطاق. ويتمتع منتجو الطاقة المتجددة التي تُباع بعقود طويلة الأمد بدعم السياسات والشركات المشترية، لكنها قد تواجه مخاطر السداد من المرافق التي تعاني ضعف السيولة النقدية، والأسواق في المناطق متغيرة السياسات.
أما الاتجاه الثاني، فيجب على الصناعة التأقلم مع الآثار العملية للإغلاق، والقيود المتغيرة وسلاسل الإمدادات المعطلة نتيجة تراجع الجداول الزمنية للعديد من عمليات الإنتاج والنقل والبناء، الذي أدى الى تأجيل الإنفاق ودفع مواعيد إكمال المشروع الى المستقبل.
 
تحذيرات واضحة
من المتوقع انخفاض الإنفاق على محطات الطاقة التي تعمل بالوقود الاحفوري والفحم خلال العام الحالي الى 15 %، رغم استمرار حجم أسطول الفحم العالمي بالنمو. وقد يضر تراجع إيرادات الهايدروكربون بمصانع الطاقة التي تعمل بحرق الغاز في مناطق الشرق الأوسط وشمال افريقيا. وربما تنخفض أيضا رؤوس أموال مصادر الطاقة المتجددة التي تمثل الجزء الأكبر من إجمالي الإنفاق على قطاع الطاقة بنسبة 10 %، ما يؤدي الى تأخير الجداول الزمنية لبعض المشاريع.  لقد تراجعت قرارات الاستثمار في مشاريع الطاقة الشمسية والرياح في الربع الاول من العام الحالي الى مستويات عام 2017 لتبقى أقل مما هو مطلوب لتحقيق أهداف المناخ الدولية، ومن المقرر أنْ ترتفع هذه الاستثمارات مع استمرار المشاريع حول العالم التي كانت قيد التنفيذ بالفعل قبل الأزمة.
وبما أنَّ شبكات الكهرباء هي العمود الفقري لأنظمة الطاقة الحالية ولها أهمية في تحولات الطاقة النظيفة، تزايدت المبادرات في أوروبا والولايات المتحدة والصين وغيرها لتحسين مرونة وصلابة البنية التحتية للشبكة.
ويعدُّ الإنفاق المقيد على مصانع الغاز الطبيعي، وتوقف الاستثمار في مجمّع الكهرباء بمثابة تحذير لصُنّاع السياسات، إذ يجب أنْ تبقى أنظمة الطاقة موثوقة في المستقبل عند تحويلها بظهور تقنيات الطاقة النظيفة.
تهيمن الشركات الحكومية في العديد من الاقتصادات النامية على شكل الاستثمار في شبكات الكهرباء وغيرها، على عكس الجهات الخاصة التي تأخذ زمام المبادرة في كل مكان فيه مصادر طاقة متجددة، رغم أنَّ العديد من المشاريع تعتمد على حوافز الحكومات وعقود المرافق الحكوميَّة.
 
مخاطر مستقبليَّة
وقد تواجه المرافق مخاطر إئتمانيَّة لعدم سداد العملاء والبنوك ما يُعيد تقييم شروط الإقراض التي ربما تشهد تزايداً خصوصاً في الاقتصادات النامية، وهذه قضية مهمة في سوقٍ تنافسيَّة متزايدة. 
لقد شكلت الاقتصادات النامية 55 % من استثمار الطاقة العالمي في العام 2019. وبعد الانخفاض في العامين الماضيين، يمكن أنْ ترتفع حصتها في العام الحالي بسبب انتعاش النشاط الاستثماري في الصين، إذ أدى الإغلاق إلى تعطيل الإنفاق المخطط له في الأشهر الأولى من العام الحالي.
ولكون أكثر من 95 % من الاستثمارات في قطاع الطاقة هي إما لكيانات حكوميَّة أو لتحقيق حوافز وعوئدات تحددها اللوائح، فالإجراءات الحكومية لها دور مؤثر في تشكيل البيئة العامة للاستثمار في قطاع الطاقة والصحة المالية.
وتُزيد هذه الأزمة من المخاطر المستقبلية على أمن واستدامة أنظمة الطاقة، وتصبح قيود السيولة النقدية عائقاً مستمراً أمام الاستثمار خصوصاً في مشاريع البنية التحتية طويلة الأجل أو ذات رؤوس المال الضخمة.
لقد خلقت جائحة (كوفيد – 19) شكوكاً جديدة بشأن الطاقة، لكنَّ الطاقة النظيفة والموثوقة وبتكلفة معقولة تحتفظ بموقعها في جوهر الستراتيجيات والرؤى المستقبليَّة، وتقع مسؤولية تحفيز الاستثمار لتحقيق هذه الرؤى على عاتق الحكومات ليس لاستخدام مواردها المحدودة فقط بل لتقديم الوضوح الذي يبحث عنه المستثمرون طويلاً.
عن موقع وكالة الطاقة الدولية