تعد الشفافية من المواضيع الحديثة في الإدارة وقد جرى حولها الكثير من النقاش وقدمت فيها طروحات مهمة هدفها الأساس تعزيز العلاقة بين المؤسسات والجمهور لاسيما مع تزايد الوعي الاجتماعي وانتشار وسائل التواصل الحديثة، التي قصرت المسافة الزمنية والخبرية، الا أن القناعة بهذا المفهوم ظلت عرضة للأخذ والرد باختلاف قناعة المسؤول لتطبيقها في مؤسسته، على الرغم من أن بعض المؤسسات، تم تضمين مبدأ الشفافية فيها ضمن القوانين والتشريعات، الا ان مدى الالتزام بها ونسبة تطبيقها يبقى خاضعا الى محددات أخرى يأتي في مقدمتها الضغوط السياسية والإعلامية ومدى القبول لأداء تلك المؤسسة.
ان الشفافية قد تكون لها أحيانا ارتدادات سلبية في حال لم يتم فهمها بشكل جيد او كانت ثقافة الجمهور اقل مما يجب للتعامل مع ما يتم عرضه من معلومات، لاسيما في الجانب الاقتصادي، وفي هذا السياق تجدر الإشارة الى ان البنوك المركزية في العالم كانت (ولا يزال البعض منها) لا تؤمن بمبدأ الشفافية لأسباب تتعلق بطبيعة عملها واهمية السرية أحيانا بخصوص بعض المعلومات المتعلقة بالمؤسسات المصرفية والافراد، التي قد يثير نشرها نوعا من الضرر للجهات المعلن عن بياناتها وهذه القاعدة في التحفظ والسرية انسحبت الى جميع القرارات والاجراءات الخاصة بالسياسة النقدية، وربما تكون مقولة (آلن غرينسبان) رئيس البنك الفدرالي الاسبق (اذا كنتُ واضحا للغاية في حديثي فإنك على الأرجح أسأت فهم ما قلته) خير مثال على هذا التوجه.
في المقابل فإن بعض المؤسسات أدركت أن الشفافية يمكن ان تلعب دورا ايجابيا في تنفيذ القرارات وان متطلبات التغيير قد حانت، وهذا ما ذهب اليه (ماريو دراجي) الذي ترأس البنك المركزي الاوروبي حتى نهاية العام الماضي، حين قال في واحدة من تصريحاته (سوف نفعل كل ما في وسعنا لانقاذ اليورو) معلنا بذلك عن توجهات سياسته النقدية وهذا ما يؤكد منهجا جديدا في ادارة البنوك المركزية باعتماد مبدأ الشفافية والتقارب مع الجمهور، الا أننا يجب ألا ننسى البيئة التي تعمل فيها هذه البنوك والتي تؤهلها لاعتماد هذا التوجه، وبالمقابل قد لا ينجح التوجه نفسه في الدول النامية نتيجة اختلاف بيئة العمل فيها عن تلك التي في الدول المتقدمة وبالتالي ليس بالضرورة ان تنجح الشفافية فيها الا انه وكما يقال ما لايدرك كله لا يترك جله.