د. محمَّد حسين الرفاعي
[I]
ثَمَّةَ ضرورة في تقويم سوسيولوجيا الاِقتصاد تتمثَّل في التنمية، والتنمية المستدامة التي تجعل من اِقتصادات الدول قائمةً على أسس وطنية. أساس الاِقتصاد يتمثَّل في الثقافة الاِقتصادية: أي ثقافة العمل، والإنتاج، والتبادل. وهذه الأخيرة لا يمكن أن تترسخ في المجتمعات من دون التربية، والتعليم، والتنشئة المجتمعيَّة بعامَّةٍ.
[II]
ولكن بأية معانٍ يمكننا أن نتساءَلَ عن أن تكون سوسيولوجيا الاِقتصاد يمكن أن تكون في خدمة الدولة، وتسهم في تقوية أرضيَّة قيامها؟ ومن جهةٍ أخرى، أن تكون الدولة في خدمة العلم بعامَّةٍ، وسوسيولوجيا الاِقتصاد بخاصَّةٍ؟
إنَّنا نتكلّم عن وظيفة السُّوسيولوجيا العملية، وسوسيولوجيا الاِقتصاد، بخاصَّةٍ. إنَّها تتمثَّل في:
I- بناء السياسة المالية: وتقديم الاِقتراحات للدولة في معادلة الإنتاج والتبادل والتوزيع، اِنطلاقاً من سياسات الطلب (المداخيل) وسياسات العرض (الاِستثمار)، ضمن مشاريع اِقتصادية قصيرة الأمد، ومتوسطة الأمد، وطويلة الأمد.
II- بناء السياسة النقدية: وتقديم الاِقتراحات للبنك المركزي في معادلة حركة النقود، وضبط كمية النقود بما يتناسب مع السياسات المالية التي تصيغها الدولة.
III- بناء السياسات الصناعية: وتقديم الاِقتراحات للدولة، من جهة، وللبنوك التجارية، من جهةٍ أخرى، في تنشيط عمليَّة الإنتاج الوطني، وزيادة الناتج المحلي، وفقاً لتشغيل وإعادة تشغيل المصانع، والقطاعات الصناعية الصغيرة، والمتوسطة، والكبيرة.
IV- بناء السياسات الزراعية: تقوم هذه السياسات على عمليَّة صُنع السياسات الوطنية، من جهة، وعلى الحاجات الداخلية والخارجية، من جهةٍ أخرى. في هذا السَّبيل، تُصبِح عملية دراسة وتحليل الأرض، والكميات المطلوبة من مهام التَّساؤل الذي يقوم على سوسيولوجيا التنمية، والتنمية المستدامة.
V- بناء السياسات التجارية: ينطلق بناء هذه السياسات من أسس ثلاثة على أقل تقدير: النظام الوطني للاِقتصاد، والرؤية الاِقتصادية الوطنية التي تأخذ بنظر الاِعتبار مصالح النظام الوطني، وتوفير أسواق خارجية للسلع الفائضة في السوق الداخلية.
[III]
لكن السياسات الاِقتصادية التي تُبنى وفقاً للتحليلات الأكثر حداثة، والتي تسهم في بناء رؤية وطنية للاِقتصاد، داخل الدولة، لا يمكن أن نصل إليها بواسطة مجموعة من المستشارين، أو المقربين. بل بواسطة مراكز أبحاث مدعومة من قِبَلِ الدولة، وتعمل هذه المراكز اِنطلاقاً من فكرة تقسيم العمل العلميّ. أي تقسيم العمل وفقاً لمعايير علميَّة أوَّلها الاِختصاص.
[IV]
هكذا، يمكن أن نكون أمام مراكز أبحاث تضطلع بالإشكالات والإشكاليات المجتمعيَّة، بعامَّةٍ، والاِقتصادية والسياسية والثقافية، بخاصَّةٍ، التي هي، على أقل تقدير، الآتية:
I- إشكاليَّة تقوم الاِقتصاد اِنطلاقاً من مفاهيم الاِقتصاد السياسي الحديثة: أي الوطنية، والمواطنة، واِعتبار مصلحة الوطن فوق كل مصلحة أخرى، بالاِنطلاق من بناء، وإعادة بناء علاقات خارجية متوازنة.
II- إشكاليَّة الهَويَّة الوطنية، الاِنطلاق منها من أجل بناء، وإعادة بناء مفاهيم حديثة من نوع: إعادة تشغيل المصانع، وتحديث العلوم الإنسانيَّة والمجتمعيَّة، أوَّلاً وفوقَ كُلِّ شيءٍ، وإعادة تحديث الجامعات، والآكاديميات، والمعاهد.
III- إشكاليَّة تحديث الإنتاج، والتبادل، والتوزيع، بوصفها الإشكاليَّة الأساسيَّة في الاِقتصاد، عَبرَ البحث عن السبل والأساليب والأدوات والتقنيات الحديثة التي تستطيع أن تسهمَ في بناء دورة إنتاجية داخلية تستطيع تلبية حاجات المجتمع.
IV- إشكاليَّة تحديث التجارة، والتبادل التجاري، اِنطلاقاً من الحاجة إلى السلع الاِستثمارية- الإنتاجية، وإنتاج أدوات الإنتاج، والإنفاق الاِستثماري.
[V]
على ذلك، نتوقف عند الاِقتصاد بوصفه قوَّة الدولة في اللَّحظة التي نستطيع أن نعيد بناء التَّساؤلات العِلميَّة المرتبطة به، اِنطلاقاً من كونه أرضيَّة قيام الوطن. نستجلي تحديث التَّساؤلات الاِقتصادية، والحال هذي، بالتوقف عند مفاهيم ثلاثة أساسيَّة هي الآتية: تحديث الاِستثمار الداخلي، وتحديث الاِستثمار الأجنبي، وتحديث الدورة الإنتاجية الداخلية ليس من أجل السوق الداخلية فحسبُ، بل، أيضاً وأيضاً، بواسطة بناء علاقات مع السوق الخارجية.