العزاء المختلف

الصفحة الاخيرة 2020/08/30
...

عبدالهادي مهودر
شهر محرم الذي تمر أيامه مصبوغة بحزن وسواد عاشوراء، جاء مختلفا بالكامل، بل هو الأغرب في التاريخ مثل بقية أشهر وأيام هذه السنة المجنونة بأحداثها وتقلباتها، وفي ظل التباعد الاجتماعي وغلق المراقد الدينية والمساجد والحسينيات، تحولت بعض مظاهر العزاء الى التفاعل الرقمي في وسائل التواصل، وألقت جائحة كورونا بظلالها الثقيلة عليه لتزيده حزنا واصابات ووفيات، بينما تخلت القصيدة الحسينية عن بعض صور الماضي وتفاصيله وحاكمت الحاضر ومظاهر الفساد والواقع السياسي والخدمي، وسياسيا ايضا سقطت نظرية تحريم الخروج على ولي الأمر، التي شبهت بها ثورة الإمام الحسين (ع) والتي تمسك بها المسلمون لعدة قرون، وأصبحت الثورة على ولي الأمر واجبا شرعيا في البلاد العربية والاسلامية، حين تقاطعت توجهات ومصالح أولياء الأمور وأثبت الإمام شهيدا أحقية مانادى به حيا وثائرا :
(إنَّ الدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون) !
ويبقى من بين أعظم دروس واقعة كربلاء هو أهمية الثبات على المبدأ، وإن قل الناصر، فالنصر العسكري وقهر الكثرة للشجاعة قد ينقلبان الى هزيمة ووصمة عار لا تمحى كما حصل واحتفظ الإمام بسر السعادة والذكر الأبدي الذي لايمحى . 
 
وشابت أيام شهر محرم هذا العام حوادث مؤسفة أدت لسقوط قتلى، ليس بالمفخخات والأحزمة الناسفة كما مضى ولكن بالنيران الشقيقة والقلوب الحزينة نفسها ومن داخل المعسكر والمأتم الكبير نفسه، ففي جنوبي الوطن ووسطه سقط عدد من ضحايا النزاعات العشائرية بين قتيل وجريح، وأحرقت بيوت لمواطنين فيها نسوة وأطفال وممتلكات خاصة ووثائق وذكريات، وليس غريبا أن يسقط بين القتلى مواطنون أبرياء من بينهم (رادود حسيني ) ليكون أول قارئ يسقط قتيلا في عاشوراء على يد أخوته في الوطن والدين والطائفة والمدينة والحي السكني والعزاء الكبير.
وكما بات معروفا لايستطيع أي شرطي أداء واجب التدخل في فض نزاع عشائري، لم يلتجئ أطرافه للشرطة، فهو رجل مكلف بتنفيذ قانون متجاوز عليه منذ البداية وقانونه مضروب بعرض الحائط والعتاد الذي بحوزته هو نقطة في بحر العتاد، الذي ينير سماء المعركة حتى مطلع فجرها الأحمر، أو كما هو معروف أيضا، فإن النفوس لاتهدأ إلا بعد وقوع المأساة وتعاظم الخسائر، التي تقل كثيرا عن سبب النزاع، فقد يذهب عشرات الرجال في غضبة الرجال لأبسط الأسباب، ولكن في مثل هذه النزاعات يمكن معرفة السبب والنتيجة، لكن لا يمكن إجراء إحصائية للسلاح المستخدم وعدده وأنواعه وكمية العتاد وكيفية خزنه، وكل ما يحدث أن الأجهزة المختصة، تأتي في الوقت الذي تسمح لها أجواء المعركة بالحضور، لغرض معاينة الخسائر وعد الجثث وانتظار نتائج الوساطات والتحويلة والفصل والتنازل عن الدعوى، نتيجة حصول التراضي الثنائي الخاص على حساب السخط العام والحق العام.