(البدون)

الصفحة الاخيرة 2020/09/06
...

عبدالهادي مهودر
رغم تزايد أعداد المصابين بكورونا لكن الشارع العراقي لا تبدو عليه أي علامات للقلق ، وكأن المواطن العراقي متمسك بشعار الكاتب ديل كارنيجي (دع القلق وابدأ الحياة)، فبعد ليلة اعلان تجاوز عدد الاصابات عتبة الخمسة آلاف كان الطبيعي أن تظهر أعراض الخوف على العراقيين بتقليل الخروج والتسوق والاختلاط ولكن إحصائيات الموقف الوبائي مرت مرور بيانات الحروب والتفجيرات والخسائر الفادحة بالأرواح والمعدات ، والأخطر من ذلك هو التعايش مع العدو الجديد المجهول الهوية والمتمثل بالأشخاص الذين لا يحملون أعراض الإصابة بكورونا لكنهم ينقلون العدوى ، وهؤلاء ( البدون ) يعيشون بيننا وربما نكون نحن منهم ولا ندري إننا تحولنا إلى مصدرين للوباء دون حمل إجازة تصدير ، فقد تداولت وسائل الإعلام العالمية نتائج دراسات ميدانية وجدت أن 78 بالمئة من المصابين بفيروس كورونا تظهر عليهم أعراض طفيفة أو لا تظهر عليهم أعراض وإن هؤلاء يمثلون بؤرة متحركة ومصدراً كبيراً للوباء.. والسؤال المحير هو كيف نواجه عدواً لا نعرفه والحكمة تقول اعرف عدوك ؟ وكيف بالامكان تفادي خطر فئة ( البدون أعراض) كما يطلق عليهم طبياً ؟ بل كيف يعرف هذا المصاب إنه تحول الى انتحاري يلف جسمه بحزام ناسف وانه مثل صاروخ حامل لرأس جرثومي وعليه الا يتجول بين الناس وكأنه ولي حميم وهو عدو مبين ؟ وهل تنفع الوصايا واجراءات الوقاية نفسها المتبعة حالياً في منع تفشٍ أوسع للوباء في ظل هذه الحالة الخطيرة المستترة أم سنكون بحاجة الى تحديث لإجراءات الوقاية تبعاً لتغيير العدو لتكتيكاته؟ .
ومع انتظار نجاح اللقاح الذي تبشر به الدول الكبرى وتأمين وصوله لتعزيز دفاعاتنا، فالمتوقع تضاعف أعداد المصابين بالنيران الصديقة كلما زادت عمليات الفحص والتفتيش عن الخسائر في جبهتنا الداخلية التي اخترقها البدون عراقياً وعالمياً .
وفي ظل الاعتراف بوجود فئة مجهولة حاملة للوباء خارجة عن السيطرة وأمرها متروك الى السماء، فلابد أن نشكر (ديل كارنيجي) وشعاره الذي نعمل به (دع القلق وابدأ الحياة ) وهو عنوان لأحد كتبه الشهيرة الذي ترجم الى كل لغات العالم وقرأه ملايين المتلهفين لمعرفة كيفية مواجهة مصاعب الحياة وتجاوزها في بدايات أعمار المراهقة والشباب ، فقد نشأ كارنيجي في أسرة فقيرة بولاية ميزوري الأميركية ولكنه اصبح من أشهر المؤلفين في مجال التنمية البشرية وتطوير الشخصية وفن الخطابة في كل العالم، ويقال ان العديد من المؤلفين العرب والمسلمين تأثروا بأفكاره ومؤلفاته ، ولا يعرف بالضبط من (لطش) أفكار من ، لكن الأفكار تنتقل وتكبر وتنضج وتتطور بالتلاقح وما عاد مهماً معرفة آباء الأفكار في هذا العالم المتداخل الذي يختلط فيه العدو مع الصديق والمصاب بكورونا وبدون أعراض كورونا ، والملفت ان كارنيجي ورغم كل هذا الصيت والعز والثروة مات بعمر 67 سنة وقضى عليه مرض السرطان ، ورغم ان عناوين مؤلفاته تحولت الى نصائح فإن الرجل لم تنقذه نصائحه حين داهمه المرض اللعين في ذروة الشهرة ومات مثل أي إنسان فقير لا يملك ثمن وصفة دواء.
وما يميز كتابه ( دع القلق ) الذي طبع عام 1948 وكان من أكثر الكتب مبيعاً هو ان المرحوم كارنيجي قضى ست سنوات في تأليفه ولعل هذا هو سر طول عمر الكتب والأفكار العميقة التي تمكث في الأرض ، أما الزبد وسلق الكتب في ست ساعات او ستة أيام في الأكثر كما يحصل هذه الايام فيذهب جفاءً ولذلك تظهر أعراض مرض التأليف وتتكدس الكتب قرب سوق السكراب بمنطقة الميدان وسط بغداد ويباع الكتاب المسلوق سلقاً بألف دينار فقط (وبيها مجال ) وهي كتب (الألفية الأولى ) التي تتصاعد أسعارها حتى الوصول الى قمة شارع المتنبي الذي عادت له الحياة بعد رفع الحظر ولكن شرط التباعد وبالكمامات لأن ( البدون ) جزء من مرتاديه بلا أدنى شك.