رنين المروي لأشياء الروي

ثقافة 2020/09/08
...

 إسماعيل إبراهيم عبد
 
من مباغي العمل النقدي التبيين والتبشير بالبُعد الأهم للوجود، الحدسي، بكونه هو المنقول والمرئي والمسموع والمحسوس به، من الأشياء والأسماء والهيئات والحالات التي بجمعها تؤلف تأثيثاً للعالم الروائي، الذي هو في أساسه مفتتحات لموجودات مدركة تم تحطيم وظيفتها الواقعية
لتصير رنيناً للأشياء ثم تقفز بها نحو هيأة معرفة تنظم المتخيل عبر منظور قيمة للحيز أو الفضاء المُتَصرَّف به حين وضعه بموضع التأثيث، أي بموضع أنْ يكون المالئ لفجوات ومساحات المروية كعنصر يخلق جو الروي إجرائياً، بمحاولة لخلق عالم حيوي بأكثر مما في الكلام والسلوك «والمُحَيَّن» من الحوادث، على نحو جمالي ممتع، مُزِيدٍ للوعي بالحالة النفسية والحدثية بمتجلياتها المتجاورة مع التاريخ والمتجاوزة له، كونه مصدراً للأحداث لا غير. ولمحتويات الاتجاهات المار ذكرها، وعلى نحو متضافر ـ بنيات في العرض الروائي. ونرى لشيئيات السرد قوى تقوم بمهمة تأثيث الحكي، وإظهار الوقائع الاجتماعية والاقتصادية.
وفي الاشتغال الروائي يشترط أنْ تجيء عناصر التأثيث الروائي متوافقة مع أدواتها لتصيغ حكايات واجبة الإقناع والتصديق، على الرغم من كونها مخلوقات إشارية لا يبين منها سوى مظهر مضلل يستدعي لنفسه مضمرات، هي الأُخرى مخلوقة ومضللة ومتحولة بحس يقع بين الوجد والعشق والعفوية والتخطيط. وعلى مسافة ليست قليلة من الحكي تُشاد مرادفات وجودية تجعل الاسم تأسيساً لمادة الحكي، ثم المادة الحكائية طريقاً للتسميات التاريخية اللاحقة. وفي اهتمامات الروائيين تبين أدوات اشتغالهم من ثم رؤاهم الفنية والثقافية، فيجمعون الجمال الذوقي الى المتعة شبه الفطرية، ليكون الحدس القرائي موجهاً أساسياً لنوع وطبيعة الاشتغال الإبداعي (نصياً ودرامياً). تتمثل تلك الرؤى بتجربة الإبداع الذي يتيح لنا فرصة تجريب أدوات النقد كمؤشرات وإشارات لفهم رواياتهم بطبقتيها الفكرية والدلالية، وبأسلوبيهما البلاغي العام والشخصي..
إنَّ فعل عناصر السرد من حالات وهيئات وموضوعات يشاد بها منظور (الإطار الفكري) المُؤَلِّف لفضاء المخلوقات الفنية المنتجة للوعي والمنفعة، في تبدل موقعها بين المجتمع الحقيقي والمجتمع المروي في تصيير وإعادة تصوير ما جرى وما يمكن على أنْ يحدث الفعل بدافع وعي خاص لوصف الأشياء كركيزة للتعبير وإظهار قوى التشكل الروائي على نحوٍ خالدٍ ومقنعٍ ومبهجٍ، كون القص عنصراً وحيداً في الرواية لن يتعرض للموت، خاصة أنَّ المؤلف يموت والشخوص والراوي والمروية والعُللية، كلهم قد يموتون. تُرى لماذا لا يموت الوصف؟.. من المُبَكِّر الجزم بهذه القضية، لكن عندما نترك العنان للأموات أنْ يعودوا، فلن يكون من المُسْتَبْعَد عودة الديمومة لجميع العناصر الروائية بأشكال جديدة، كل عنصر يحتاج موضعاً وزمناً يتحرك ضمنه، ثم قولاً يحمل مكامنه وظواهره، ولن يجد غير (القص = للوصف) ثابتة توضِّعُهُ بمكانه من الروي..
وبالعودة الى المشهد العام الذي تشيده الرواية سنجد نماذج خاصة يمكن أنْ نبني عَبْرَها رؤية عامة مع الاحتفاظ بخصوصية الفعل الفردي لكل راوٍ.. نؤكد بعملنا (هنا) على روايات أثبتت مكانتها القرائية وانتشارها المناسب، ومن جدوى تتبعنا إياها سنكشف ما يستوطن دواخلها من ثقافة وتجريب وتأسيس وتواشج متبادل بين الرؤية الذاتية والرؤى العامة لمستقبل الرواية الفني والإعلامي، لأجل أنْ ننشر قيم الفضيلة المعرفية عبر الوصف كأهم حقل فني في (معرفة) تلك الروايات عبر المجسات الفاحصة التي سيتممها التقصي.. ومما يستدعي جدية المتابعة للرواية من الجانب (رنين = صوت) الشيء الوجود، إنها تتمتع بتنوع حيوي يمكّنها من القيام بخطوات حثيثة على مستوى اللغة والبث الإشاري والتجريب الفني محتوى وأسلوباً.. الفضاء كمنظومة لموجودات تمثل رنين الأشياء لا الأشياء فقط، له ما يضاهيه ويضافره من مكونات الروي مثل، (تسميات، حركات، أفعال، تحيينات زمانية مكانية)، فضلاً عن توافقات النسيج وتناسق عناصر السرد الأساسية/ (الشخصيات، الأفعال، الراوي، الزمان، المكان، الحركة) والعناصر المكملة (الرؤية، الأسلوب، نموذج أدوات اللغة، تخطيطات السرد الصوري، العناوين، التسطير).. ثمة ما يجدر التنويه عنها هي: إنَّ وجود ظلال أو رنين موجودات الرواية الشسئية كمرويات تداولية يمثل رؤى فنية تغامر بتقنيات عديدة تشكل (المصنوع الكتابي) كفكر روائي جمالي موازٍ للحركة الانسانية، وإنَّ بعض وجودها الصوري قد يسوق البعثرة المادية لكنه يلمها عبر فلسفة خاصة تستحكم الى أنَّ (أهم صفة للبعثرة أنها بعثرة للوجود الحكائي الروائي» بالتضافر الكلي لكفاءة الجملة الروائية. إنَّ هذا الوجود المبعثر للصور له مَلَكَةُ الجذوة الروائية كحدث يتساوق وجدانياً مع اللغة الادائية).. إنَّ ماديات الرواية شأن مميز بطرافته، إذ هي أشياء قد تكون (مدينة، صحراء، نهر، مركب، عواطف، مظاهر كتابة، ورقائق حدثية).. الخ. تذوب معاً لتصنع عالماً مادياً هلامياً من الموجودات الشبيهة بالماديات الحياتية الخارجة عن نظام الوجود المادي الى النموذج
الذوقي.
إنَّ طبيعة التبادل المعرفي للمآثر السردية تتَمِّمُ ـ عبر موضوعات عديدة لاحقة ـ تشكيلَ نموذج خاص لرنين الأشياء لإقامة هيكل بنائي لما اتجهت إليه أفكار التركيب السردي.