{الموصل} الشعر والمدينة الصامتة

ثقافة 2019/01/08
...

عالية طالب
هل رأيتم الموصل؟؟ هل تجولت الاجساد في مساحات الارواح التي ما زالت تعيد سرد حكاية ما جرى بوجه يضج برغبة استمرار الحياة وليس بحزن رحيل استقبلته بقلب ممن بقضاء الله.
يومان في مدينة تعيد كتابة تأريخها من جديد وتقطف وجودها الازلي من ركام الدمار الذي طال الزرع والضرع والاشجار والامكنة وبصمة التأريخ وشواهد الزمن ، مدينة تسأل وماذا بعد ؟  هذا البعد هو من يجب ان نتوقف عنده لنمسح عن عيون المدينة صورة الحزن والظلمة والموت الذي يوقف نسغ الحياة فيها.
يومان سردا لنا قوتها على البد من جديد بوسائل وامكانيات تقف الدولة عاجزة عن استبيان خط شروعها  الواضح، في الازقة صوت قصائد ينبثق من مبنى اتحاد الادباء السابق المهدم  بالقذائف، وعبر واجهة المحلات المحترقة ثمة بقايا لبضاعة كان يقف أمامها من لم يعد لهم أثر.
مدينة تغفو على اشلاء جانبها الايمن وهي تتطلع الى جانب أيسر يضيء درب الموصل بالإصرار على ديمومة الحياة.
استمعنا الى جلسة شعر لشعراء شباب يعتلون منصة الالقاء للمرة الاولى ، كانوا صوت عراقة الموصل ومستقبل غدها المشرق بصور شعرية تضج بكثير من النزف وهو يقول : ها نحن هنا .. قادرون على التجديد دوما  ولا يمكن أن يطالنا الفناء يوما.. فسيفساء مجتمع عراقي شاب جاؤوا من كل أمكنة الجغرافيا التي تشكل ثراء مدينة عريقة فكرا وابداعا وتميزا يليق بها ، صوت المرأة قوي مواجه صلب صامد يمزج الحب  مع فعل الحياة ولا يؤمن بالنكوص، فيما توقفت مشاريع الانقسام والطائفية والقومية والفرقة خارج قاعة الشعر ولم تجد لها موقع قدم.
من يعيد لأيمن الموصل حياته؟ هذا هو السؤال الشاهق الذي بقي يطارد عقلي طوال زيارتنا التي نفذها المكتب التنفيذي مع فرع اتحاد الادباء هناك، ولم اكن ادري وانا ابحث عن حلول في رأسي ان ذات السؤال سيتضخم في طريق العودة وانا أمر على بيجي ، الشرقاط ،الصينية ،بلد ،الطارمية والمشاهدة وصولا الى التاجي والصور ذاتها تطاردني لمبان مهدمة وخواء سكاني وصمت نازف وأمكنة لا تعرف كيف تعيد الحياة لسكانها. مدن صامتة تبحث عن سكانها ومدن تقاوم مؤامرة ابادتها لتنهض بأقوى مما كانت وهذا ما لمسناه في منطقة " بعشيقة" و" بحزاني" التي تضم الازيديين الذين استقبلتنا عوائلهم العائدة بعد تهجير اجبروا عليه ،بعلم العراق ملوحين للامل والغد واعادة غرس كل اشجار الزيتون التي احرقها داعش وهو يتخيل انه انتصر بانتهاك حرمة الانسان والحياة والزرع واماكن العبادة.
كل العراق مسؤول عن هذه المدن ليعيد لها انشطتها الحياتية ممزوجة بصوت المعرفة والثقافة والتعليم والخدمات والعمران والانسان الذي هو الاساس في ديمومة نبض كل هذا وبدونه لا يمكن للمدن ان تستعيد وجودها يوما.