جبهــة جديــدة

الصفحة الاخيرة 2020/09/11
...

حسن العاني 
تاريخ العراق، الحديث منه والمعاصر يشهد بأن هذا البلد الجميل يمتلك من الجبهات ما لا يثير الدهشة في عددها فقط، وانما في عجائبها وغرائبها كذلك، ففي العهد الملكي قامت جبهة بين مايعرف يومها بأحزاب الحركة الوطنية، ولم يكتب لها ان تعمر او تعيش طويلاً، اذ سرعان ما انفرط عقدها بعد انقلاب 14 تموز 1958 ، حيث تصاعدت الصراعات الحادة والمصالح الحزبية بين مكوناتها (ربما بسبب الاختلاف على الوزارات السيادية والوزارات الاعتيادية)! 
بعد تولي عبد السلام عارف مقاليد السلطة في 18 تشرين الثاني 1963 واعتقال البعثيين والشيوعيين ( حلفاء الجبهة الملكية) على حد سواء، تم الإعلان عن قيام جبهة جديدة باسم الاتحاد الاشتراكي، وهي ( جبهة حكومية ) بامتياز، وخرجت تظاهرة( مليونية) تهتف هتافاً يستحق ان يدخل تاريخ الطرائف الواقعية، وهو ( جيم ...جيم .. جبهة، مابيها بعثية، بيها عرب واكراد ضد الشيوعية)، وبعد انقلاب 17 تموز 1968 ، دخل الشيوعيون في جبهة جديدة مع البعثيين ( وكأن الطرفين لم يتعظا من درس الماضي )، اطلق عليها اسم ( الجبهة الوطنية والقومية التقدمية)، وقيل ان حرف الواو بين الوطنية والقومية " فيه إشارة الى الشيوعيين بانهم (يمثلون مفردة الوطنية) كونهم لايؤمنون بالفكر القومي، ويشير الى البعثيين بمفردة (القومية)، ومن باب التراضــــــــي بين الطرفين تمت إضافة مفـــــــردة ( التقدمية) الى القومية حتى لا يزعل الشيوعيون، وهكذا قامت أول جبهة من نوعها بين انصار القومية واعدائها، و .. وفجأة (تفلش) كل شيء، وتم اعتقال الشيوعيين ومطاردتهم وسحب صفة ( الوطنية) عنهم!!
ليس هذا أوان نبش الماضي، بل هو أوان قراءة التجارب الجبهوية في العراق والإفادة من دروسها، والتفكير الجاد بإحياء مشروع جبهة جديدة على أسس علمية واقعية رصينة، وقد فكرت طويلاً، واستعنت بخبرة 365 محللاً سياسياً، وقرأت كل ما كُتب عن الجبهات في العراق، بما في ذلك جبهات القتال، واهتديت الى إمكانية انبثاق جبهة واسعة عريضة نطلق عليها اسم ( الجبهة الوطنية العراقية والدينية المنفتحة والقومية التقدمية)، تضم تحت جناحيها ( جميع الأحزاب والكتل والائتلافات والمكونات)، بحيث لايبقى احد من اطراف العملية السياسية، سواء في السلطة او خارجها، الا وهو في الجبهة، وفي هذه الحالة سيتم الاستغناء عن اجراء اية انتخابات برلمانية، مثلما يتم الاستغناء عن مليارات الدنانير، التي تصرف على الانتخابات والمفوضية ورواتب موظفيها، لتذهب الى خزينة الدولة، وقلت لنفسي( أصابع الناس امتلأت بالحبر، وآن لبطونها أن تشبع )!! و .. وسيعقد اول اجتماع لرؤساء الجبهة الجديدة، وستظهر بينهم خلافات تتسم بالعنف حول توزيع الرئاسات والوزارات والمناصب، وسوف يقررون حل الجبهة بدعوى انها تخالف الدستور وتعارض الديمقراطية، والعودة الى الانتخابات وهدر مليارات الدولارات على حساب تموينية مخجلة وكهرباء معطلة ومشاريع متوقفة.. لأن المهم في هذا البلد الغني الجميل هو أن يمارس الشعب اعراسه الديمقراطية، حتى لو مات من الجوع والبطالة والحر والقهر.