دخول التجربة في الرؤية وخارجها

ثقافة 2020/09/12
...

يوسف عبود جويعد 
 
من خلال اللقطة السينمائية، وأسرارها، وخفاياها، وتقنياتها، وأهميتها قدم لنا المخرج والسيناريست الراحل حسين السلمان كتابه الموسوم (داخل الرؤية وخارجها - اللقطة السينمائية) لنكتشف العالم الكبير، عالم فن صناعة السينما، وتقنيات العمل فيه، والمهنية والحرفية، ومعلومات كبيرة وكثيرة لا نعرفها، لأنه أعد هذا الكتاب عن خبرة طويلة في مجال صناعة الفلم السينمائي، وقدم فيه تفاصيل قد تصل حد الأسرار التي طالما يحتفظ بها المخرج السينمائي لنفسه، وعندما ندخل من خلال اللقطة السينمائية الى عوالم هذا النص وهو يمثل مفتاحاً يفتح لنا باباً كبيراً نحو هذا العالم، من خلال هذا الباب سندخل أبواباً أخرى حيث سنطوف عبر الماضي ورحلة مع الافلام الصامتة واللقطة الصامتة، وكذلك سنطوف ايضاً في أميركا وفرنسا وروسيا والمانيا وايطاليا لنتابع فن تطور اللقطة التي سوف تزجنا الى هذا العالم، حيث إنها السحر الذي سيفك لنا طلاسم هذا العالم، وعن هذا الكتاب يقول المخرج والسيناريست حسين السلمان:
"هنا في هذا التأمل أبحث عن الأهمية البصرية للسينما. هنا يمكن القول إن الكتاب لا يحتاج الى القارئ، بل القارئ هو الذي يحتاج الى الكتاب، لان القارئ مطالب أن يدخل التجربة، لا أن يظل مراقباً ومتفرجاً".
وبالفعل هذا ما وجدته في هذا الكتاب، لأنه يضع أمامنا مسيرة الحركة السينمائية وأسرارها وتطورها، ورموزها وشخصياتها، ومخرجيها وممثليها، والنظريات والرؤى التي رافقتها، وأحاديث النقاد، وما تركه المخرجون من آثار وأعمال كبيرة ونظريات أسهمت في حركة تطور اللقطة ثم الفيلم السينمائي، ولم يقتصر الأمر على نظرية محدودة الأفق تتعلق بمكان واحد او مدينة واحدة أو دولة واحدة أو قارة واحدة، بل أنها رحلة شمولية وافية كافية لهذا الفن منذ نشأتها، وكيف تطورت اللقطة السينمائية، وقد طرز الكتاب بصور للأفلام التي أنتجت:
"وفي هذه المناسبة لابد من ذكر ولج درانكوف، المنتج الوحيد الذي صور ليف تولستوي، حين كان على قيد الحياة في عام 1908 . وأسس ألكسندر خانجونكوف شركة مساهمة باسم (خانجونكوف وشركاه) في موسكو، وهي أول مؤسسة انتاج في روسيا كما وافتتح أول أستوديو سينما في روسيا، ليتولى معظم ما أنتج في روسيا آنذاك، إذ اخرج بالاشتراك مع فاسيلي غونتشاروف في عام 1911 فيلم الدفاع عن سيفاستوبول، وهو أول فيلم روائي طويل" ص 46 
وننطلق في رحلتنا الاستكشافية التي أتيحت لنا من خلال هذا النص، الى التيارات والمتغيرات والمؤثرات التي رافقت حركة السينما، مثل السوريالية التي القت بظلالها على صناعة الفيلم في فرنسا، وكذلك موجة الحداثة التي ظهرت في بداية القرن العشرين، حيث تشكلت ثلاث مدارس أدبية فنية حديثة، أولها التعبيرية الالمانية وأسفرت عن فيلم (عيادة الدكتور كاليغاري) والمستقبلية الايطالية (الفيلم الهولندي القصير الجسر) ثم السوريالية التي أظهرت موقفاً متأنقاً تجاه الثقافة، وعن رؤاه الفنية في مجال فن صناعة الفيلم يقول السيناريست والمخرج حسين السلمان:
"الأفكار مثل الأسماك، إذا كنت تريد اصطياد سمكة صغيرة يمكنك الاكتفاء بالبقاء في المياه الضحلة، ولكن إذا كنت تريد اصطياد سمكة كبيرة عليك الذهاب عميقاً. ففي الأعماق توجد الاسماك الأكثر قوة والأكثر نقاوة . فهي ضخمة، مجردة وجميلة جداً . نحن لا نعرف الفكرة حتى تدخل الى عقلنا الواعي". ص95 
ومن الجدير بالذكر أن المخرج والسيناريست حسين السلمان عمل في إعداد هذا الكتاب، على نظرية البنية الاساسية التي يجب أن تكون قوية ومتينة وواعية وصحيحة، فقدم لنا تفاصيل كبيرة وكثيرة عن اللقطة وأهميتها كنقطة انطلاق لمعرفة الكثير من التفاصيل الفنية والتقنيات الداخلة في صناعة الفلم السينمائي: "فالفيلم اكد لنا بأن اللقطة تصنع بوجود علتها، اضافة الى مكوناتها التي تعمل على تحريك عناصر معيارها وفاعليتها لتؤدي دورها ضمن سياقات البناء، وان اختلفت من اسلوب الى اسلوب آخر، الا أنها تدفع بالحدث العام للفيلم لتسبح في فضائها المادي والمثالي حتى اتمام الولادة الكبرى لدورها لتجعل موتها كبداية لولادة لقطة اخرى قد تختلف عنها في الحجم والوقت والزمن والازياء والاضاءة وغيرها". ص 126 .
ويذهب بنا الى اعمق من ذلك ليستعرض لنا المخرج والسيناريست حسين السلمان اهمية المكان والزمان داخل اللقطة ومن ثم الفيلم وكذلك الحوار والشخصية ويفرد فصلاً كاملا يتحدث فيه بشكل واعٍ عن الايقاع في اللقطة واهمية الايقاع في مسار صناعة الفيلم وكذلك فاعلية اللقطة في تكوين الفيلم وعملية صناعة اللقطة وتقطيعها وكذلك عن اللقطة الطويلة المشهدية، ويقدم لنا امثلة عن افلام صنعت بلقطة واحدة، وكيف أن حركة السينما اسهمت في تطور الفنون الاخرى.
قسم الكتاب الى اثني عشر قسماً، ويستعرض كل قسم في فصوله الداخلية حركة مسار اللقطة والفيلم منذ نشأتها وحتى يومنا هذا وتفاصيل فنية نجهلها عن حرفية هذا الفن من الصمت الى النطق، وكذلك اود الاشارة هنا الى أن مدخل كل قسم من هذه الأقسام استهل بمقولة لأحد رموز صناعة الفيلم، تعطي الرؤية الفنية لهذا القسم بشكل 
مكثف ومختزل وجزيل لتشارك في عملية حركة إيقاع وانسيابية هذا 
النص.