تشكلت في السنوات الأخيرة مجموعة أوبك + (بلاس)، وبدت وكأنها أخذت مكان منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) التي تأسست قبل ستين عاما، خلال مؤتمر في بغداد بين 10و 14 أيلول 1960.شارك في تأسيس المنظمة كل من العراق والكويت والسعودية وإيران وفنزويلا، ثم انضمت إليهم قطر بعد عام واحد، وأندونيسيا وليبيا بعد عامين، والإمارات عام 1967، والجزائر عام 1969، ونيجيريا عام 1971، والإكوادور عام 1973، والغابون عام 1975، وأنغولا عام 2007، وغينيا الاستوائية عام 2017، والكونغو عام 2018.
وبين تلك الدول، علقت أندونيسيا عضويتها مرتين، كانت آخرها عام 2016 ولا تزال عضويتها معلقة حتى اليوم، كما انسحبت قطر من المنظمة مطلع العام الماضي، وانسحبت الإكوادور أوائل العام الحالي.
توحيد السياسات النفطية
تهدف أوبك الى تنسيق وتوحيد السياسات النفطية للدول الأعضاء من أجل تأمين أسعار منصفة ومستقرة للمنتجين، وتوفير إمدادات كافية ومنتظمة من النفط وبأسعار معقولة للدول المستهلكة، إضافة إلى تحقيق أرباح معقولة للمستثمرين في قطاع النفط.
لكن هدف أوبك «نادي مصدري النفط» الأول والأساس مصلحة الدول الأعضاء، وإن كانت ستراتيجيتها، تتضمن في كثير من الأحوال مراعاة مصالح الدول المستهلكة والشركات.
وتأتي الذكرى الستين لأوبك في عام استثنائي بكل المقاييس على الجميع، بما في ذلك صناعة النفط ودول أوبك، فقد شهد هذا العام حرب أسعار بين روسيا والسعودية، أدت الى زيادة هائلة في حجم العرض وذلك خلال الأشهر الأولى لتفشي وباء كورونا وهبوط الطلب بشكل كبير.
وأدت حرب الأسعار والوباء إلى هبوط في أسعار النفط إلى ما تحت الصفر في سابقة تاريخية، قبل أن يتدارك الجميع الأمر وتخفض مجموعة أوبك بلاس الإنتاج تخفيضا تاريخيا.
كما جاءت هذه الحرب أيضا بعد سنوات قليلة من تشكل مجموعة أوبك بلاس، التي ضمت، إلى عضوية أوبك، عشر دول أخرى من مصدري النفط غير الأعضاء في أوبك والراغبين في التعاون، وعلى رأسهم روسيا. ووفقا لوكالة بلومبرغ، فقد جاء ذلك، بعد أن استشعرت السعودية، بداية عام 2017، حين هبط سعر برميل النفط إلى 25 دولارا، بأن أوبك وحدها إما غير مستعدة أو غير قادرة على إدارة أسواق النفط، فتم اختلاق مجموعة اوبك بلاس، التي جلبت عددا أكبر من الدول إلى الطاولة.
نجاحات البداية
كان للمنظمة، في السنوات الأولى من نشأتها، أثر كبير في تعديل ميزان القوى بين الدول الأعضاء من جهة وشركات النفط التي كانت تعرف بالأخوات السبع من جهة أخرى، حيث كانت العلاقة استغلالية لصالح الأخيرة.
يقول أنس الحجي مستشار التحرير لمنصة «الطاقة» إن الإنجاز الأول هو «تنفيق الريع»، إذ كانت الشركات تحتسب العائد الذي تدفعه إلى الدول مقابل استخراج واستخدام المصدر الطبيعي (النفط) جزءا من الضرائب أو الأرباح، بينما بدأت الدول تطالب باعتباره مستقلا عن أي شيء آخر. وقد أدى إصرارها هذا إلى زيادة إيرادات تلك الدول بشكل كبير.
أما الإنجاز الثاني فقد كان تشجيع الدول الأعضاء على زيادة المشاركة في الشركات، كي لا تكون أجنبية بالكامل، وقد نفذت ذلك الدول الأعضاء إما عبر التأميم، كحال ليبيا والعراق، أو عبر شراء الحصص تدريجيا، كما في دول الخليج. وهذا مكن تلك الدول من التحكم في الإنتاج والصادرات.
أما في موضوع التأثير في الأسعار عبر تغيير الإنتاج وكمية النفط المتوفرة في الأسواق، فيقول الحجي: إن أوبك لم تتمكن من وراثة هذا الدور من شركات النفط الكبرى بالكامل، اذ إن الأخيرة كانت تسيطر «رأسيا وأفقيا» على كل الصناعة من التنقيب عن النفط إلى توزيعه بين المستهلك، في حين أن أوبك لا تسيطر إلا على الإنتاج والتصدير.
فرض قرارات التخفيض
عرف عن أوبك، تاريخيا، أنها حين كانت تقرر خفض الإنتاج، لم تكن تجبر الدول الأعضاء على ذلك، كما أنها لا تعاقب الدول التي لا تلتزم بالقرار.
لكن هذا تغير الآن، إذ إنه بعد قرار التخفيض التاريخي أعقاب حرب الأسعار وجائحة كورونا، بدأت المحاولات لفرض قرارات التخفيض على الدول التي لم تلتزم بها بالكامل.
ويضيف الحجي «لكن هذا الشيء الجديد الذي حصل في الشهرين الأخيرين تم تحت مظلة أوبيك بلاس وليس أوبك».
ومن ذلك، يلاحظ أن الحديث عن أوبك يقل تدريجيا مقابل بروز أوبك بلاس، وكما كانت السعودية «العمود الفقري» لأوبك، فإن الثنائي السعودي الروسي هو العمود الفقري لأوبك بلاس.
وتبقى السعودية الأكثر قدرة على التأثير حتى في زمن أوبك بلاس.
وعلى الرغم من أن «روسيا أنتجت، في السنوات الأخيرة، نفطا أكثر من السعودية، إلا أنه لا أحد يتكلم عن روسيا كما يفعلون عن السعودية. فلماذا؟
طاقة إنتاجية فائضة
ببساطة، لأن السعودية هي الدولة الوحيدة التي لديها طاقة إنتاجية فائضة يمكنها أن تستخدمها في أي وقت، كما أنها الدولة الوحيدة التي تستطيع خفض الإنتاج بكميات كبيرة دون أن يؤثر ذلك كثيرا في اقتصادها. أما روسيا فلا تستطيع ذلك».
ويرى مراقبون، أن استخدام هذه الورقة مكلف على السعودية بسبب الأزمة الاقتصادية، فمع أنها قادرة على تحمل انخفاض أسعار النفط أكثر من غيرها، إلا أنها تواجه اليوم أزمة اقتصادية حادة تلقي بظلالها على الرؤية الاقتصادية التي أعلتنها للعقد القادم.
أما بالنسبة لأوبك وأوبك بلاس، كما هو حال كل أصحاب المصالح المرتبطة بالنفط، فإن أحد التحديات قد يكون المحاولات الحثيثة العالمية لتقليل الاعتماد على النفط من أجل محاربة التغيير المناخي.
لكن الحجي يرى أن الطلب على النفط سيظل في نمو على الأقل حتى عام 2050، حتى لو كان هذا النمو أقل من السابق، وهو ما يعني أنه سيبقى لأوبك وأوبك بلاس دور تلعبانه في سوق النفط العالمية.