أبناء المعلمين.. ماركة مسجلة

اسرة ومجتمع 2019/01/08
...

يونس جلوب العراف
لم أكن اتصور في يوم من الايام ان يزاملني في عملي الصحفي شخص من ابناء المعلمين والمدرسين، اذ ان هؤلاء دائما ما يكونون بعيدين كل البعد عن صاحبة الجلالة مهنة المتاعب ويبحثون عن مهن اكثر راحة، لكن حدث ذلك قبل مايقارب العشرة اعوام عندما عملت معا مع شخص يدعى عباس جاسم وهو مهندس حاسبات وكان مصمما بارعا لصفحات الجريدة وقد فاجأني بقوله ان اصحابه كانوا يلقبونه ابن المعلمة، اذ ان غالبا مايكون مثل هؤلاء علامة التفوق والتميز المسجلة لكونهم يحصلون على تعليم خصوصي مجاني من والديهم المعلمين والمدرسين وعلي الاعتراف ان جملة ابن المعلمة كانت السبب في تشجيعي على كتابة هذه السطور.
يقول عباس جاسم عن لقبه: في ايام دراستي الابتداية كانت والدتي تعمل معلمة في المدرسة نفسها التي كنت طالبا 
فيها، لذلك اطلق علي تلاميذ مدرستي لقب ابن المعلمة والغريب ان اللقب مازال عالقا 
بي الى يومنا هذا على الرغم من مرور سنوات طويلة على تخرجي من تلك 
المدرسة.
ويضيف:في منطقتنا لايزال بعض اصدقائي يسمونني ابن المعلمة لكوني كنت اشطرهم وكنت المميز بينهم وقد تخصصت في هندسة الحاسبات بعد ان وجدت هذا الاختصاص الاقرب الى نفسي لاسيما ان والدتي وابي كانا يشجعانني على دخول هذا الميدان .
وتابع : ان اكثر اولاد المدرسين والمعلمين هم من المتفوقين دراسيا لكونهم يحظون برعاية خاصة من ابويهم ما يولد في داخلهم حب الدراسة لكونهم يعيشون في جو دراسي طيلة ايام السنة ما يجعلهم ماركة تفوق مسجلة.
 
قرب الطالب نفسيا
يقول محمد خالد وهو مدرس: ان ابن المدرس لا يحتاج إلى مدرس خصوصي كونه يحظى برعاية والده او امه العاملين في مجال التعليم فهما بمثابة المدرس الخصوصي له وذلك يساعد الطالب في فهم مواد المنهاج الدراسي بحكم قرب الطالب نفسيا وعلميا من والديه .
واضاف :ان المدرس سيعامل ابنه كما يعامل طلبته بل اكثر بكثير منهم
ويحرص على ألا يمضي ولده اوقات فراغه في أمور أخرى لا علاقة لها بالتعلم والتعليم وبذلك يحصل على درجات التفوق التي يطمح اليها والديه.
وتابع:ان الدروس الخصوصية الرائجة في هذه الايام لم يكن ابناء الجيل الماضي وبناته يعرفون عنها شيئا فقد كان الطفل ناجحا في مدرسته ويؤدي واجباته خير اداء ولا يجد صعوبة في تلقي العلم وهذا ينطبق على الجميع سواء الطلاب العاديون ام ابناء المدرسين والمعلمين.
المدرس الموهوب
يؤكد سلام عبدالله وهو مدرس لغة عربية ان كل أب وأم يعرفان تكاليف الدروس الخصوصية يمكن ان تكون باهظة ولكن مجرد كون الشيء باهظ التكاليف لا يعني انه مفيد لكن المدرس الموهوب هو من يستطيع ان ينفخ الحماسة وحب التعليم في نفس ابنه الذي هو في الوقت ذاته تلميذه، وان يرفع مستوى اعتداد التلميذ بنفسه بين ابناء صفه وبذلك نحصل على طلبة متميزين في دروسهم وبالتالي يكونون ناجحين في جميع المجالات .
واضاف: ان ابناء المدرسين والمعلمين يحصلون على التدريس الاضافي من قبل آبائهم وعلى الرغم من ان ذلك سيكون مفيدا لبعض الاطفال، فان ذلك لا يعني انه بالضرورة مفيد لجميعهم فاذا كان طفلك مجدا في مدرسته قادرا على التحصيل من دون مشاكل، فما الحاجة الى البحث عن تدريس اضافي.
وتابع:ان رأى الوالدان ان طفلهما في حاجة الى دعم تعليمي، فعليهما اعطاؤه بعض الدروس الخصوصية من قبلهما مع الذهاب الى مدرسة الطفل ذاتها، فقد تكون المشكلة التي يصادفها الطفل بسيطة الحل، كأن يبدل مكانه في الصف لتقوية مجال رؤيته او سمعه او استرجاع فكرة غابت عنه واذا كانت مشكلة الطفل اعقد من ذلك، فان انتباها قليلا من المعلم قد يحل المسألة برمتها.
 
تنمية المواهب
يروي خالد فاخر وهو مدرس لغة عربية: ان احد طلبته كان ابنا لاحدى المدرسات ممن زاملته في دراسته لكنه كتم ذلك ولم يخبره بذلك وكان هذا الطالب يوصف بالشاطر والمتفوق في دروسه طيلة مدة الدراسة بل كان حديث اغلب المدرسين الذين اشرفوا على تدريسه.
ويقول المدرس خالد: لقد دخل هذا الطالب الى مدرستنا ووصل كلية الطب وعلى الرغم من كونه يعرف ان والدته تعرفني واعرفها لكنه لم يخبرني بانه ولدها واخفى السر عني طيلة مدة دراسته في الاعدادية التي كنت ادرسه فيها.
واضاف: ان هذا الطالب المجتهد كان معتمدا على نفسه في دراسته وكان موهوبا واستطاع ان يكسب احترام الجميع من خلال حصوله على درجات عالية اهلته للدخول الى كلية الطب التي كانت هدفه وهدف عائلته التي كانت تشرف بشكل مباشر على تعليمه في البيت وليس فقط الاعتماد على الدراسة داخل جدران المدرسة التي اوصلته الى مبتغاه في نهاية المطاف.
واشار الى ان الطالب المذكور وبعد ان جاء الى المدرسة لأخذ الوثيقة الدراسية من المدرسة بغية اكمال اوراقه ومستمسكاته استعدادا للدخول الى الجامعة صارحني بالحقيقة وعندها اخبرني ان والدته تهديني السلام وتشكرني على طريقة تدريسي له وقد استغربت من ذلك التصرف الا ان الاستغراب سرعان ما تلاشى كونه كان طالبا مجتهدا لا يحتاج الى توصية او اهتمام زائد، بل كان علامة بارزة و ماركة تفوق مسجلة واستحق الوصول الى هدفه من خلال جديته في دروسه .
 
اعتراف بالجميل
تؤكد زهراء محمد وهي مدرسة لغة انكليزية ان: المواهب موجودة لدى العديد من الطلبة في جميع المراحل الدراسية لكن المعلم والمدرس هما من يستطيع اكتشاف الموهبة اسرع من الاخرين كونهما الاقرب الى الطلاب من جميع النواحي، لاسيما ان كان ذلك الاب من المعلمين والمدرسين الذين لديهم خبرة في معرفة الموهوب بمجرد النظر اليه والتعامل معه على وفق ما يستحق من رعاية واهتمام بما يسهم في صناعة مستقبل زاهر له مهما كانت نوعية الموهبة التي يتمتع بها الطالب .
واضافت : ان العمل في مجال التعليم يجعل المدرس حريصا على رعاية ابنائه وجعلهم بمستوى الطموح فالمعلم يحب ان يرى اولاده افضل من مستواه الدراسي ويفضل ان يكونوا من المتفوقين القادرين على صناعة مستقبل افضل لاسرهم والحصول على وظائف محترمة في دوائر الدولة والقطاع الخاص تجعلهم من الاشخاص المرموقين في المجتمع كونهم حصلوا على تعليم مثالي من قبل والديهم ومدرسيهم في اروقة المدارس التي كانت محطات حياتهم التعليمية والتي هي السبب الرئيس لما وصلوا اليه من مراتب في الحياة العامة .
واشارت الى ان عملها في مجال التدريس جعلها تدرك اهمية الحرص على تدريس ابنها وابنتها في البيت وتعليمهم على وفق الطرائق التدريسية المتعارف عليها في المدارس الخاصة، فضلا عن كون الوراثة تلعب دورا كبيرا في اكتساب الذكاء الذي هو الاساس في النجاح فضلا عن الرغبة والتشجيع المستمر من الاهل من خلال توفير الاجواء المناسبة للدراسة.
وتابعت: ان العديد من الطلبة في المدارس التي خدمت فيها كانوا من ابناء المعلمين والمدرسين وقد اصبحوا بعد تخرجهم منها في وظائف ممتازة نتيجة دخولهم في كليات اوصلتهم الى اهدافهم بعد ان حصلوا على درجات عالية في امتحانات الدراسية الاعدادية واصبحوا بين مدة واخرى يزورون مدارسهم ويسهمون في بعض الاحيان بتقديم الخدمات الى المدارس وطلبتها وهيئاتها التدريسية اعترافا بالجميل وانا شخصيا كنت شاهدة على هذا الموضوع .