مع «ارسطو» وليس مع غيره!

الصفحة الاخيرة 2020/09/16
...

زيد الحلّي
 
في فترة من حياتي ، تعلقتُ بوهم ، كاد أن يجرني الى فضاء من التصورات المتناقضة، طارداً كل ما هو حسي، حيث تعلقت بقراءات، كانت بعيدة عن اهتماماتي، فسحبتني كتب الفلسفة، ورجالاتها الى عالم فسيح من التفكير في الحياة والمنطق والعقل، وما زاد من هذا التعلق، ان المنحى الفلسفي، لا يتطلب التزاما مني في حضور درس او محاضرة في وقت محدد، فكتب الفلسفة وواضعي رؤاها متوفرة في المكتبات ، ويمكن استعارتها من مكتبات الكليات الانسانية من خلال المعارف والاصدقاء. 
عكفت: اقرأ واقرأ، حتى تيقنت ان انهارها تصب في محيطات لا قرار لها، فما ان تصل الى قناعة معينة في جانب فلسفي، تتصدى لك، دراسة لاحد الفلاسفة في قرون مضت، وتجعل قناعتك، رماداً منثوراً، وبكاءً بلا دموع! 
حيرتني الفلسفة وأتعبتني فحتى رموزها لهم آراء تصدم بعضها البعض، فوفقاً لأرسطو: "الفلسفة هي العلم الذي يكتشف الطبيعة الحقيقية للعناصر الخارقة للطبيعة" بينما يقول كارل ماركس: "الفلسفة هي تفسير العالم من أجل تغييره".. ووفقاً لهيجل: "الفلسفة هي التي تستوعب عصراً فاز بالفكر"
أما رسل فيقول: "تتعامل الفلسفة الصحيحة مع المسائل التي تهم الجمهور العام في مجال التعليم، وتفقد الكثير من قيمتها إذا كان عدد قليل فقط من المعنيين يستطيعون فهمها". لكن أندرسون يؤكد : "الفلسفة هي تحليلٌ دقيقٌ ومنضبطٌ وحذرٌ لبعض أصعب المشكلات التي واجهها الرجال على الإطلاق". ويقول جون ديوي: "الفلسفة ليست حلًا سحريًا لمشكلات الرجال، ولكن هي تنبثق من الأساليب التي استخدموها لحل مشكلاتهم" وفقاً لأريستيبس: "الفلسفة هي القدرة على الشعور بالراحة في أي مجتمعٍ". وفقاً لسقراط :"الفلسفة هي نشاطٌ يومي".. ومع سقراط، توقفت فرحاً امام مقولته المفعمة بالواقعية .. ( الفلسفة هي نشاط يومي) ومن معنى هذه الكلمة الثورة اقول، انني كلما اختليت الى نفسي، قفز الي سؤال لم اعرف اجابة عليه وهو سؤال لازمني طويلاً.. منذ ان تعاملت مع الكلمة: فكرا واسلوبا ومعيشة! 
وهو سؤال ما انفك يلتصق بجواب اعرفه، غير انه لم يجد له صدى عند زملائي واصدقائي المقربين الذين احاورهم بين مدة واخرى في مسائل الحياة والعدم.. والسؤال هو: ان الانسان كان (خاما انسانياً) يضطرب في مناجم التاريخ ، لا يعرف نفسه ولا يعرفه أحد.. فمن هو المارد العظيم الذي جعله يتسلق الفراغ الرهيب ليملأه بوجوده الكبير..؟
لقد وجدتُ الجواب، غير اني لم اجد من يرحب به ، فأصدقائي يقولون انه التطور. فأقول نعم انه التطور لكن التطور حركة فمن هو صاحبها؟ هو ظاهرة وراءها قوة تصنعها والتطور في جميع صوره لا يعني أكثر من نشاط الطاقة!
إذاً، فالحديث عن التطور مثل الحديث عن العمل الانساني، فالناس يعملون لأن فيهم الطاقة، فليس هناك شيء لتعليل ذلك سوى طاقة الحياة وطاقة الوجود، انها الطاقة الانسانية وما اعظمها من طاقة إنْ عملنا في دائرتها الفسيحة، صدقت ايها المعلم ارسطو (الفلسفة هي نشاط يومي)!
سبحانك ربي..