تدارس صندوق النقد العربي إثر التداعيات الاقتصادية والمالية والنقدية لجائحة فيروس كورونا المستجد والخيارات في السياسات والأدوات لمرحلة ما بعد الأزمة، واثر تداعيات المناخ على النظام المالي والاستقرار المالي، وتطبيقات التقنيات المالية الحديثة والتحول الرقمي للخدمات والمنتجات المصرفية، في ظل تداعيات فيروس كورونا، و تطورات جهود مكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب وأهمية الشمول المالي.
جاء ذلك خلال بدء أعمال اجتماع الدورة الرابعة والأربعين لمجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، الذي يعقد هذا العام "عن بعد"، بمشاركة محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، وعدد من كبار المسؤولين في البنك المركزي الأوروبي، وبنك التسويات الدولية، وصندوق النقد والبنك الدوليين، وبنك فرنسا، ومجموعة العمل المالي (فاتف).وبيّن المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي في كلمة له خلال الاجتماع أن الاقتصاد العالمي يواجه أسوأ أزمة اقتصادية بعد الكساد الكبير، تأثراً بعدد من العوامل أهمها تداعيات جائحة فيروس كورونا، واستمرار تصاعد التوترات التجارية بين الاقتصادات المتقدمة، والمخاوف بشأن تداعيات الارتفاع الكبير في مستويات المديونية العامة، ما أثر في أنشطة الاقتصادات المتقدمة والدول النامية على السواء، ما انعكس بدوره في توقع انكماش معدلات النمو للإقتصاد العالمي عن العام 2020 بنحو 5.0 بالمئة، وللاقتصادات المتقدمة بنسبة 8.0 بالمئة، وللاقتصادات الناشئة والدول النامية بنحو 3.0 بالمئة.
و أكد الحميدي أن هذه التطورات ستكون لها انعكاسات مهمة على الاقتصادات العربية، خلال الفترة المقبلة، مبيناً أن التراجع المتوقع في نمو حجم التجارة الدولية سينعكس على مستويات الطلب الخارجي الذي يسهم بنحو 48 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية كمجموعة، وبشكل خاص التباطؤ المتوقع لاقتصادات مجموعتي الدول الآسيوية والاتحاد الأوروبي اللتين تستوعبان نحو 65 بالمئة من الصادرات العربية الإجمالية.
ورأى الحميدي أن تراجع البنوك المركزية العالمية عن العودة إلى المسارات التقليدية للسياسة النقدية، تحت تأثير تباطؤ النشاط الاقتصادي، يمثل فرصة للاقتصادات العربية لتبني سياسات نقدية مواتية للنمو في الدول ذات نظم أسعار الصرف الثابت، وتخفيف الضغوط على عملات الدول العربية، التي تتبنى نظم أسعار صرف مرنة.و حذر من الزيادة المتنامية في مستويات المديونية العالمية التي بلغت حالياً نحو 331 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، الأمر الذي من شانه أن يعزز من هشاشة أوضاع الأسواق المالية، مبيناً في هذا الإطار أن خطورة تزايد المديونية العالمية في الوقت الراهن تتمثل في الارتفاع غير المسبوق لمديونية القطاع العائلي وقطاع الشركات، وفي تراجع مستويات جودة الديون الخاصة. وبالنسبة للدول العربية، بيّن معاليه أن تحدي تزايد معدلات المديونية يعتبر من بين أبرز التحديات التي تواجه الاقتصادات العربية في ظل الارتفاع الذي شهدته معدلات الدين العام في الآونة الأخيرة، حيث وصل إجمالي الدين العام للدول العربية إلى نحو 123 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية المقترضة.
من جانب آخر، أشار الحميدي إلى تقديرات صندوق النقد العربي التي تشير إلى تسجيل الدول العربية مجتمعةً إنكماشاً بنحو 4.0 بالمئة عن عام 2020، مقابل معدل نمو بلغ نحو 1.6 بالمئة عن عام 2019، انعكاساً لتداعيات الجائحة، التي من المتوقع أن تؤدي إلى انخفاض الطلب الخارجي الذي يسهم بنحو 48 في المئة من الطلب الكلي في الدول العربية، وانخفاض لتحويلات العاملين بالخارج، إلى جانب تراجع في أحجام الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتدفقات للخارج لرؤوس الأموال الأجنبية.
من جانب آخر، أكد معالي المدير العام رئيس مجلس الإدارة على حرص الصندوق على الاستجابة السريعة لاحتياجات الدول العربية في ظل جائحة كورونا، مبيناً في هذا الصدد إلى قيام الصندوق بتلبية طلبات الاقتراض بأقصى سرعة ممكنة، مشيرا الى أنه تم توفير موارد مالية لعدد من الدول الأعضاء في شكل قروض جديدة، أو سحب على القروض القائمة، لمواجهة التداعيات الاقتصادية والمالية الناتجة عن تفشي فيروس كورونا ودعم جهود الإصلاح، ذلك من خلال تطبيق إطار الإجراءات السريعة، الأمر الذي مكّن الدول الأعضاء المقترضة من الاستفادة من هذه الموارد بأسرع ما يمكن، مبيناً في هذا الصدد أن إجمالي حجم الموارد التي تمت الموافقة عليها خلال النصف الأول من عام 2020 بلغت نحو 304.2 مليون دينار عربي حسابي، ما يعادل نحو 1.3 مليار دولار أميركي.
و أشار الحميدي، إلى قيام الصندوق بتكثيف جهوده في تنظيم اللقاءات التشاورية وتبادل التجارب والخبرات، وإعداد التقارير والدراسات بشأن التطورات الراهنة وآفاق الاقتصادات العربية في ظل الظروف الاستثنائية، مبيناً في هذا الصدد قيام الصندوق بتنظيم عدد كبير من الاجتماعات التشاورية على مستوى المحافظين ونواب المحافظين وكبار المسؤولين المعنيين بالسياسة النقدية، والاستقرار المالي والرقابة المصرفية، ونظم الدفع والبنية التحتية المالية، والتقنيات الحديثة، والشمول المالي، لدى المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، بمشاركة معظم المؤسسات والأطر المالية الإقليمية والدولية ذات
العلاقة.