خرجنا من الاقتصاد الشمولي في عام 2003 ودخلنا اقتصاد السوق بعده مباشرة من دون مرحلة انتقالية في جوانب الاقتصاد الحقيقي بزراعته وصناعته وخدماته، التي تراجعت وكانت النتائج كارثية من الطرفين، لذلك لا بد من مقدمات، فالشعوب تبتكر وتتقدم اولا عندما تتوحد في جدول المصالح، بحيث يشعر المختلف أن من مصلحته الوحدة الوطنية (المشارك بها) وتوفير الحماية للجميع لنخلق سوقا موحدة
متكاملة .
فالنظامان قبل وبعد 2003 لم يحافظا على ثوابتهما لأنهما لم يقصدا التغيير والانفتاح، بل هو مصدر تطوير واثراء، وكان الاستحواذ هدفا
واحدا.
لذلك علينا فهم الترابط الميكانيكي بين التنمية والديمقراطية، ففي التنمية، مثلاً، تخلفت فرنسا و تألقت الصين، فالتنمية لا تفضي بالضرورة الى العدالة الاجتماعية ولكنها تؤسس فرصا لتحقيقها تماما، كما ان اطلاق حرية التعبير قد يساعد في خلق فرص للتنمية، بقدر ما يطلق القوى الحية للمجتمع - كما يقول د.علي حرب - في كتابه المصالح والمصائر.
فالصناعة والزراعة والسياحة حتى اندلاع الحرب العراقية - الايرانية تعمل تقليديا، رغم ما اعتراها من مشكلات في الادارة بعد الاصلاح الزراعي والتأميمات عام 1964، ولكن كان الاداء الاقتصادي والاداري افضل كثيرا، وفق المقاييس الاعتيادية مع سيادة واضحة للقانون، برقابة مالية جيدة بنيت عليها الموازنات والتصدير والاستيراد، واستقرار للميزان التجاري بأمن غذائي، كان ينسجم مع الامكانيات المتاحة .
بعض خطوط هذه الخلفية التاريخية العريضة وتقاليدها ممكن توفيرها الى حد ما، فزيادة عدد سكان العراق عن تلك الفترة، تحتاج الى منظومة زراعية صناعية متكاملة مبدئيا، تنظمها شبكة اقتصادية كجهاز موحد مترابط، اي تصنيع زراعي حقيقي وليست معامل تعبئة وتعليب كالسكر او الزيوت
اليوم .
لابد من التذكير اننا ما زلنا نستورد مشتقات نفطية غير محددة بافق منظور، لذلك يجب ان نولي صناعتنا النفطية مزيدا من الاهتمام والتوقف عن حرق الغاز، واستثماره في توليد الكهرباء، التي تعد ابرز عمود لقيام الصناعة الوطنية، كما لابدّ من توظيف اموال السياحتين الدينية والتقليدية لتشكل رابطا مؤازرا لاقتصاد يتجه لحماية الجميع ولمصلحة المجتمع بكل أطيافه، للخروج من نفق ماقبل 2003 وما بعده والتخلص من انعكاساته السلبية على الاقتصاد الوطني بصورة
عامة.