تنتشر في أغلب الشوارع والأزقة والجسور الكتابات والعبارات، التي عمد بعض الأفراد تركها بألوان مختلفة وحروف كبيرة مما شكلت تهديدا لجمالية المدن والعبث بنظامها، وعن تلك الظاهرة قالت الباحثة الاجتماعية، وسن خليل:»ظاهرة الكتابة على الجدران، هي ظاهرة غير حضارية وتشويه للمعالم والمباني، وتعود لأسباب كثيرة منها، اضطرابات نفسية تصاحب الفرد كشعوره بالغضب، أو التعصب لشيء وتعلقه به كحبه لناد رياضي أو شخصية مشهورة، لذلك يلجأ للكتابة على الحائط للتخفيف من انفعاله أو توصيل فكرة، ولفت انتباه الآخرين، وهناك أسباب عدائية وهجومية كالإطاحة بشخصية عامة، وتخريب سمعتها أو لغرض الانتقام ما يدفعه لترك عبارات غير أخلاقية».
وتوضح خليل «أن للمدرسة دورا كبيرا في حث الطلاب للابتعاد عن الكتابة على أسوار المدرسة أو في دورات المياه، وتنبيههم باستمرار، ووضع عقاب للكف عن هذا السلوك الطائش». وبينت «على الوالدين اعطاء حرية للطفل للتعبير عما يشعر به، لكي لا يلجأ إلى الجدار وجعله فوضى لمشاعره».
ونصحت خليل بـ «إعادة تأهيل الأفراد واخبارهم أن تلك الظاهرة خاطئة، وتوفير بدائل للتعبير عن احتياجاتهم وانفعالاتهم، كالكتابة على الورق»، ويعزو الشاب حيدر الساعدي «هذه الظاهرة إلى الدعاية والإعلان والتسويق غير المباشر عن طريق ترك أرقام هواتفهم المحمولة، وعناوين للمحال التجارية، لاسيما أصحاب المحال والورش، وسائقي السيارات ذات الحمولة الكبيرة».
وشددت خليل على «عمل المنظمات التطوعية ودورها الفعال في محاربة الظاهرة، وإنعاش فن «الغرافيتي»، بدلا من الفوضى، وجعل الجدران أكثر جمالا برسوم هادفة وعبارات مفيدة».
وترى نورس حسن(30)عاما،»من أنه سلوك غير لائق بالمجتمعات المتحضرة، وهو تشويه لجمال الأزقة والشوارع والممتلكات العامة».
اما سارة محمد(28)عاما، فعدتها وسيلة للتعبير عن الذات لدى الشباب ولتفريغ كبتهم.
سلوك شاذ
ويعتقد أحمد خضير، أخصائي نفسي: «من أن البعض يلجأ لتلك الوسيلة، عادها تخليدا لذكرى كترك عدة حروف أو أسماء من يحبهم أو رسم رموز معينة، وهو سلوك شاذ وتقليد أعمى، إذ يشاهد الأطفال ما مكتوب على جدران الأزقة فيرغبون بالتقليد».
وأضاف، خضير «على الدولة وضع خطة للقضاء على الذين يحاولون العبث بجمالية الجدران، ووضع كاميرات المراقبة لرصد المخالفين، ونشر التوعية حول خطورتها للحد منها، والحرص على النظافة، وتعاون أبناء الأحياء في ما بينهم لطلاء الكتابات، ولإعادة رونق الجدران».
الحد منها
يرى الباحث الاجتماعي، كريم محمد: «أن انتشار الرسوم والنقوش على الجدران تزيد من ارتكاب المخالفات، كالسرقة أو رمي الأوساخ في الزقاق».
وشدد على «نشر المبادرات التطوعية بين الأفراد لغرس الروح الوطنية والانتماء، ونشر حملات إعلامية للحد من خطورة الظاهرة، وتوفير جلسات وبرامج وقائية للتأهيل النفسي».
وسيلة المهمشين
وعن بدايات هذه الظاهرة أوضح محمد من ان الكتابة على الجدران إحدى الوسائل البدائية التي كانت شائعة حينذاك، إذ عبر بها الإنسان القديم عن حكمة أو حكاية يخلدها على الجدار بأدواته البسيطة، كالفحم والحجر أو لكتابة القصائد، إذ وثقت أغلب الحضارات القديمة تفاصيل حياتها على جدران المعابد والكهوف، وعرفت قديما بأنها وسيلة «المهمشين»، وعبر بها السجناء عن معاناتهم والظلم الذي يتعرضون له».
وتابع «استخدمت الكتابة على الجدران في الستينيات كسلاح ضد المجتمع الرأسمالي، فانتشرت العبارات المناهضة في الأنفاق آنذاك».ويقترح الشاب أمجد عباس «من توفير جدار كبير على غرار ما موجود في بعض الدول، لجعله متنفسا للشباب لطرح أفكارهم وأمانيهم».
بابتسامة عريضة، تحدثت نور عمران، تدريسية وأم لثلاثة أولاد: «يتجه معظم الأطفال للرسم على الجدران في بداية نموهم، اعلق باستمرار ورقة كبيرة على الحائط، ليرسم عليها أطفالي بدلا من معاقبتهم، وهي مرحلة للطفل تزيد من قدرته على التفكير وحل المشكلات».
وأضافت «من واجب الوالدين تفهم رسوم أطفالهم وما تحويه من رموز وعلامات، وحثه للإفصاح عن مشاعره لفظيا دون اللجوء إلى الحائط، والاحتفاظ برسوماته».
ويستغل المحللون النفسيون خربشة الطفل، لتفهم حالته وما يمر به من اضطرابات نفسية أو سلوك شاذ.