الإنتاجية وتقسيم العمل

آراء 2020/09/21
...

  ريسان الخزعلي

بعد عام 2003، حصلت ظواهر عدّة في بلدنا، نتيجة التحولات: السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية ....الخ، وبالوقت الذي كان فيه الطموح، أن تسود الظواهر الإيجابية ولو بعد مدّة زمنية معقولة من لحظة التفاعل مع هذه التحولات ومديات تأثيرها، إلّا أن َّ الذي حصل يدعو إلى المراجعة
والتقييم والنقد.
وما أودُّ الإشارة إليه في هذه الوقفة، ما يتعلّق بتدني الانتاج والانتاجية في القطاعات الصناعية والخدمية والادارية، رغم وجود الأعداد الكبيرة من الموظفين والعاملين. حيث إنَّ المُلاحظ بوضوح، هو عدم انتظام الدوام في مواقع العمل (البعض قد يمرّ على مؤسسته يوماً في الإسبوع، والبعض الآخر في يوم استلام الراتب) ..، ما جعل انجاز الأعمال مناطا  بعدد محدود من العاملين. وهكذا غابت فكرة تقسيم العمل، ودبَّ الملل والتكرار في حياة المواظبين على الدوام، وانعكس هذا سلباً على الانتاج
والانتاجية.
إنَّ فكرة تقسيم العمل، كما جاءت في الأدبيات الاقتصادية، تقوم على مبدأ: تقسيم العملية الانتاجية إلى عدّة عمليات فرعية، ينجز كل واحدة منها عامل واحد أو مجموعة عمال، وبذلك يمكن تحسين وزيادة الطاقة الانتاجية عن طريق تقسيم الأعمال، بحيث يقوم كل عامل بإداء عملية انتاجية واحدة تختلف عن العمليات التي يقوم بها العمال الآخرون، ولكنها في الوقت نفسه تكون مكملة ومتممة لها.
لقد إنعكس هذا الفهم اجتماعياً، وأصبح يعتمد على الاختلافات الاجتماعية، التي تظهر بين الأفراد، وإنَّ المجتمعات الإنسانية تختلف في ما بينها من ناحية درجة استعمالها واستفادتها من تقسيم العمل، حيث ان المجتمعات التي تستعمل وتعتمد على تقسيم العمل، هي المجتمعات التي يتوافر فيها التماسك العضوي، بينما المجتمعات التي لا تعتمد على نظام تقسيم العمل، هي المجتمعات التي يسيطر عليها التماسك
الميكانيكي.
إنَّ أهميّة العلاقات الإجتماعية التي تنشأ من هذا التقسيم لها دور في تنمية الأفكار الأخلاقية لدى الجماعات المهنية أو في المحافظة عليها من الفساد والتفسخ، وكخلاصة لما تقدّم، فإنَّ عدم انتظام دوام العاملين- والحديث عن الوضع الاعتيادي السليم طبعاً- وعدم مساهمتهم في الانتاج والانتاجية، واستلامهم الرواتب والمخصصات من دون عمل مقابِل، سيسهم في تلكؤ الخطط الانتاجية وتدهورالانتاج والانتاجية وارتفاع كلف الانتاج، وبالتالي ارتفاع كلف السلع، وستكون هذه السلع عاجزة عن منافسة
المستورد.
إذاً، فالمراجعة والنقد والتصحيح، كلّها ضرورات تكتسب الاهمية والاهتمام، من أجل تجاوز العثرات والارتقاء بالانتاج
والانتاجية.