تنويع الإيرادات

اقتصادية 2020/09/27
...

محمد شريف أبو ميسم
 
كثيراً ما يتناهى الى أسماعنا مطلب تنويع الإيرادات في الموازنة العامة، ونحن ازاء تحول كلي نحو اقتصاد السوق، ما يعني أنَّ هذا التنويع في ظل اقتصاد احادي الجانب، لا يعدو أنْ يكون مطلباً لتعظيم الإيرادات غير النفطية القائمة على الضرائب والتعريفة الكمركية وزيادة في جباية الخدمات.
بينما يقصد بتنويع الايرادات في دعوات المختصين بالشأن الاقتصادي، السعي لتنويع مصادر الناتج المحلي الإجمالي بهدف الحد من الاستيراد وتدفق العملة الصعبة في تمويل التجارة الخارجية، من خلال زيادة مساهمة القطاعات الحقيقية والقطاعات الساندة لها في الناتج المحلي وسد ما أمكن من مستويات الطلب الكلي على السلع والخدمات، ومن ثم توفير فرص العمل والسيطرة على معدلات التضخم.
من جانب آخر، قد يرى البعض في الدعوة الى تنويع الايرادات تنويعا في الأسواق الخارجية، وهو مستوى متقدم في التفاؤل بشأن تصدير السلع غير النفطية وزيادة الايرادات في الميزان التجاري، وبجميع الأحوال فإن الدعوة الى تنويع الايرادات، تعد بمثابة اقرار بخطر الاعتماد على سوق أو قطاع أو منتوج واحد، وهي دعوة لتبني سیاسة تنمویة تجنب البلاد من المخاطر الاقتصادیة في مراحل الأزمات أو انخفاض أسعار النفط بوصفه الممول الرئيس للموازنة العامة.
بيد أن الاصرار على تنويع الايرادات في الموازنة العامة وتقليل الاعتماد على الايرادات النفطية في ظل اقتصاد تتخلى فيه الدولة عن دورها الانتاجي لصالح القطاع الخاص، يعني وبالضرورة إيجاد بيئة ضاغطة على الاستثمارات المحلية جراء زيادة معدلات جباية الضرائب والتعريفة الجمركية، في الوقت الذي تحاول فيه الدولة خلق بيئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية من خلال السماحات الضريبية والتسهيلات الجمركية.
وهنا يكون مطلب القطاع الخاص الوطني مشروعا في تقديم ذات التسهيلات والسماحات التي تقدم للمستثمر الأجنبي، في وقت دخلت فيه البلاد ومنذ العام 2013 باتفاقية (فاتكا: قانون الامتثال الضريبي للاستثمارات الاميركية) الذي يلزم المصارف العاملة في البلاد بالابلاغ عن حسابات الأفراد والشركات الأميركية لتكون جباية الضرائب لصالح الخزانة الأميركية تجنبا للازدواج الضريبي.
ما يعني أن الوعاء الضريبي العراقي سيبقى مقتصرا على الضرائب التي تجبى من الطبقة الوسطى وأصحاب المهن والحرف البسيطة، الأمر الذي يستدعي القائمين على السياسة الاقتصادية في البلاد الى البحث عن مخارج واضحة لتعظيم ايرادات الموازنة العامة وتقليل النفقات في سياق السعي لتنويع مصادر الناتج المحلي الاجمالي من خلال معالجة الاختلالات والتشوهات الكبيرة في هيكل الاقتصاد الكلي.